الصومال.. إدامة الإرهاب واللعبة إخوانية

الاستقرار يجلب الاستثمار لكن للدول المغذية للإرهاب شأن

أُعلن عن «جمهورية أرض الصومال» في 18 مايو عام 1991، بعد نحو 3 أشهر من انهيار نظام سياد بري. تم ذلك في «مؤتمر برعو للمصالحة وتقرير المصير»؛ حيث نصّ الإعلان على العودة إلى حدود ما قبل 1 يوليو (تموز) عام 1960، وهو التاريخ الذي توحَّد فيه الإقليم الشمالي من الصومال، والذي حصل قبل 4 أيام فقط على الاستقلال عن بريطانيا، مع الإقليم الجنوبي الذي حصل هو الآخر على الاستقلال عن إيطاليا في الأول من يوليو، ليشكلا سويًا الجمهورية الصومالية.

في الوقت الذي تعززت فيه فرص الفوضى في الصومال أعقاب انهيار حكم سياد بري وصعود أسهم أمراء الحرب وانتصار الحرب الأهلية، عاشت جمهورية أرض الصومال الوليدة حياة سياسية كاملة الأركان؛ إذ شرعن الدستور وجود ثلاث أحزاب سياسية تتنافس على عرش الجمهورية؛ الأول هو حزب التضامن والوحدة والتنمية، الذي يرأسه موسى بيحي عبده، والحزب الوطني، بزعامة رئيس مجلس النواب السابق في أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله، المعروف بـ«عرّو»، وأخيرًا حزب العدالة والتنمية، بزعامة المهندس فيصل علي ورابي، حيث حل هذا الحزب في المرتبة الثالثة في الانتخابات الأخيرة.

بالرغم من النجاحات التي حدثت في الشمال، وإخفاقات دولة الصومال الهشة، إلا أنها ظلّت تقاوم خيار الانفصال بقوّة، وترفضه بين الفترة والأخرى، وتصر على تمثيل “أرض الصومال” بحصةٍ سياسية في كل تشكيلاتها، أسوة بالأقاليم الباقية. وحاولت “تركيا” مؤخرًا القيام بمباحثات والادعاء بأنها “وساطة” وفاقية بين الدولتين، ولا تزال تضع رؤيتها في القنوات المشتركة لهما. كما قامت أنقرة، والتي تحمل نوايا عسكرية توسعية واضحة، برعاية المحادثات بين الحكومة في مقديشيو، والسلطات في جمهورية أرض الصومال، والإدارات الإقليمية في بونت لاند وجوبا لاند وغيرهما.

وبالعودة للصومال، فإنها تغرق في بحرٍ من الحركات الإرهابية والمتشددة منذ دخول الإخوان المسلمين في الستينيات، ومرورًا بالحركات المتطرفة التي تحولت إلى بؤرة لتنظيم القاعدة. وتقل هذه المشاكل بشكل كبير في أرض الصومال؛ حيث فسّر سليمان أحمد جوليد، مدير جامعة عمود، هذا الاختلاف بأن أرض الصومال تهتم بالتعليم بشكل محوري، ويقول إن التعليم هو الأساس في مواجهة التطرف والحركات الإرهابية، لافتاً إلى أن الجامعة التي يترأسها بدأت بداية متواضعة بكليتين فقط، لكنها تطورت لتصبح صرحاً أكاديمياً يضم 13 كلية، ولديها تعاون أكاديمي مع كثير من الجامعات العالمية، ويدرس خريجوها في جامعات عالمية مرموقة.

ورغم النجاحات الكبرى التي تحققت في أرض الصومال، في وقت لم تفلح فيه حكومات صومال لاند المتعاقبة من نيل الاعتراف الأممي من أي دولة أخرى في العالم، غير أن أكثر من 20 دولة تتعامل معها باعتبارها واقعاً معيشاً، وتقيم معها علاقات غير رسمية، كما تقيم دول الجوار بها ممثّليات تجارية.

الاستقرار يجذب الاتفاقيات الدولية

نتيجة لهذا الاستقرار السياسي والأمني الذي حققته أرض الصومال، فإنها اجتذبت بعض الاستثمارات الأجنبية المهمة، كان آخرها توقيعها اتفاقًا مدته 30 عاماً، مع شركة «موانئ دبي العالمية»، لتطوير ميناء بربرا بتكلفة قدرها 446 مليون دولار. ويشمل الاتفاق أيضًا أن تستثمر دولة الإمارات في ترميم الطريق الذي يربط بين مدينة بربرا الساحلية والحدود الإثيوبية، وهو طريق مهم لنقل البضائع إلى إثيوبيا المجاورة، والتي ليس لها منفذ بحري منذ انفصال إرتيريا عنها عام 1993. هذا، بالإضافة لاتفاقات أخرى في دعم قطاعات الزراعة والطاقة والكهرباء والسياحة.

الشعب الصومالي الضحية

في أكتوبر من العام ٢٠١٥، دوّى انفجار ضخم في مقر بعثة الإمارات في مقديشو، حيث تبنّت يومها منظمة الشباب الصومالية الهجوم الانتحاري، ولم يتم فهم المغزى السياسي للهجوم إلا بعد سنوات، ترافقَت فيها التهديدات الإرهابية مع اللمز السياسي وحملات منظمة شنتها منظمات يمكن ربطها بقطر، ضد الإمارات.

من ناحية أخرى، فقد ورد على لسان راشد عبدي، أنه وصف الحكومة الصومالية المركزية بأنها ببساطة “شديدة الموالاة لقطر”. وقد لاحظت صحيفة the New York Times أن الدعم المالي القطري كان “كثيرًا ما يُنظر إليه على أنه عامل حاسم في فوز محمد عبدالله محمد (“فرماجو”) بالرئاسة في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي. وفي تغطية لوكالة أنباء AFP العالمية، فقد ورد على لسان رئيس مجموعة الأزمات الدولية (ICG) ملاحظته بأن بعض ولايات الصومال الفيدرالية غير السعيدة بموقف فرماجو الرسمي المحايد من الخلاف الإماراتي-القطري، قد كسروا الموقف الرسمي ليقفوا إلى جانب الإمارات.

وقد توافقت تقارير رويترز ومجلة فوربز لشهر إبريل على ملاحظة خطة قطر لاستثمار مبلغ 4 ملايين دولار لتطوير ميناء سواكن في البحر الأحمر التابع لحكومة السودان، حيث لوحظ أن الإعلان جاء مباشرة عقب اتفاق تركيا، حليفة قطر، على تطوير منشأة بحرية في سواكن. كلا الحدثين يشيران لأن الإمارات، الحليف التاريخي الأكثر نشاطًا في هذه المنطقة من إفريقيا، تواجه تحديًا لموقعها في المنطقة.

تركيا وإيران؟

دخلت تركيا إلى القرن الإفريقي منذ ٢٠١٥، ضمن خطة تسويق، صوَّرتها مستغلة ما تسميه “الروابط الدينية والتاريخية بين تركيا والصومال”، منذ دخول العثمانيين مقديشيو في القرن السادس عشر، في عهد السلطان سليمان القانوني، لإنقاذها من حملات البرتغاليين. وحاولت عبر الوساطة فرض رؤيتها على الصومال وأرض الصومال، وقدَّمت عددًا كبيرًا من البعثات التعليمية، وكشفت في ٢٠١٥ عن سعيها لإنشاء قاعدة عسكرية في الصومال، بزعم تدريب أكثر من 10.500 جندي صومالي، اتسق ذلك مع مد النفوذ العسكري التركي إلى القرن الإفريقي، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة؛ حيث وقّعت أنقرة بالفعل اتفاقيات أمنية مع كل من كينيا وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا، لتدريب قوات الأمن في تلك الدول. أما الهدف الخفي، فهو موازنة النفوذ السعودي والإماراتي في القرن الإفريقي. ورفضت الخارجية الصومالية في أكتوبر 2016 إطلاق اسم “قاعدة” على الكيان التركي الجديد، لكن الإدارة الصومالية الجديدة التي تشكلَت في يناير الماضي (2017) برئاسة الرئيس محمد عبدالله فرماجو، رحّبت بإنشاء القاعدة، كما قام وزير الدفاع الصومالي، عبدالقادر علي ديني، بجولة تفقدية للقاعدة، وجّه خلالها الشكر لتركيا، بسبب دعمها الكبير للصومال! وبقليل من الحسابات، نجد أن الموقف القطري والتركي متزامن مع الاندفاع الأخير للرئيس الصومالي.

يمكن افتراض أن ثمة تعاون قطري تركي، وليس مستبعدًا، إذا أضفنا العامل الإيراني، والذي ينتشر في قواعد متفرقة في البحر الأحمر منذ سنوات عبر قواعد البحرية الإيرانية، فإنه بوسعنا فهم، أنّ طوقًا يضرب، هل يسعى لتسهيل مد الحوثي بالسلاح؟ إن الأمر ليس بهذه البساطة، ولا هذا الوضوح، ولكن الثابت أن سباقًا يجري، وأنّ الرئيس الصومالي الجديد، اختار أن يشارك فيه، متناسيًا واجباته، ومصالح الشعب.

في ظل هذه التصرفات، يبقى الشعب الصومالي- وهو واحد من أكثر شعوب العالم ثراء روحيًا- هو المسكين والخاسر الأكبر، إذ توليّ الدولة الصومالية ظهرها عن حلفاء الإنسان وتتقدم بسرعة نحو حلف الشر والثورات الذي يزرع الفوضى ليحصد الإرهاب!