العراق.. والعقوبات الأميركية على إيران

المطروح على الأرض يشير إلى أن العراق سينتهك العقوبات على إيران فواقع العلاقة العراقية-الإيرانية بعد عام 2003 جعل إيران تبدو وكأنها هي التي تصنع عملياً السياستين الداخلية والخارجية للعراق فآلية السيطرة عبر الحلفاء أو الوكلاء أدت إلى أن يصبح العراق عمقاً استراتيجياً لإيران.

بقلم: عائشة المري

أدت إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران بما في ذلك العقوبات الثانوية التي قد تطال بلدانا أخرى تقوم بالتعامل معها في الثامن من أغسطس الجاري إلى حالة من التضارب في مواقف المسؤولين العراقيين حول الامتثال لتطبيق هذه العقوبات، ففي حين أعلن رئيسُ الوزراء العراقي حيدر العبادي التزام بغداد بالعقوبات الأميركية الجديدة على إيران قائلاً :"لا نتفاعل ولا نتعاطف معها، ولكن سنلتزم بها حماية لمصالح الشعب العراقي"، بينما رفضها وزير الخارجية إبراهيم الجعفري في بيان للوزارة حيث قال ‏المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية: "العراق يرفض مبدأ الحصار على أية دولة، والذي يلحق الضرر بالدرجة الأساس على الشعوب بمختلف شرائحها الاجتماعية"، مضيفاً: "كما صرح مجتبي الحسيني ممثل علي خامنئي في العراق، إن "تصريحات رئيس الوزراء العراقي اللامسؤولة... لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرفة للجمهورية الإسلامية ودماء الشهداء التي قدمت للدفاع عن العراق وتطهير أرضه من لوث داعش".

فما هي حدود الموقف العراقي من العقوبات الأميركية على العراق؟ وهل ستلتزم العراق بهذه العقوبات أم أن علاقتها مع إيران ستحتم عليها انتهاك هذه العقوبات؟

وسط عاصفة من الانتقادات لموقف العبادي، تبارى المسؤولون العراقيون للمطالبة بالحفاظ على العلاقات التجارية مع طهران رغم العقوبات الأميركية، لرفضت الميليشيات الممولة والموالية لإيران في العراق الالتزام بالعقوبات الأميركية، فالميلشيات المسماة بـ "حركة النجباء" هددت باستخدام السلاح لضرب المصالح الأميركية في العراق، في حال تطبيق العراق لتلك العقوبات.

هددت ميليشيات أخرى بكسر أي حصار يُفرض على إيران، ونتيجة للمعارضة الشديدة التي ووجه فيها من قبل السياسيين العراقيين الموالين لإيران لمجرد اقتراحه في البداية أن يمتثل العراق للعقوبات تراجع العبادي عن موقفه إذ صرح قائلًا: "لم أقل إننا نلتزم بالعقوبات، ولكننا نلتزم بعدم استخدام الدولار في المعاملات، وليس لدينا خيار آخر". وقام البنك المركزي العراقي بإخطار البنوك التجارية بحظر المعاملات بالدولار مع مؤسسات الإقراض الإيرانية عملاً بالعقوبات الأميركية. وفي الوقت نفسه، لم يوجّه البنك المركزي العراقي بوقف استخدام "اليورو" في التعاملات مع إيران، والتي، بحسب قوله، تعتمد على متطلبات البنك المركزي للاتحاد الأوروبي والبنوك المراسلة. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية "هيذر نويرت" رداً على تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بشأن استمرار التجارة مع إيران، قائلة إن منتهكي نظام العقوبات يمكن أن يخضعوا هم أنفسهم للعقوبات. "تعرفون تحذيراتنا بشأن إيران والتجارة معها، وسنواصل مقاضاة الدول عن أي خرق يقومون به للعقوبات التي نفرضها".

الحقائق على الأرض تشير إلى أن العراق سينتهك العقوبات على إيران، فواقع العلاقة العراقية-الإيرانية بعد عام 2003 جعل إيران تبدو وكأنها هي التي تصنع عملياً السياستين الداخلية والخارجية للعراق، فآلية السيطرة عبر الحلفاء أو الوكلاء أدت إلى أن يصبح العراق عمقاً استراتيجياً لإيران، ولن تسمح طهران اليوم أن تصبح العراق ساحة لأي مصدر تهديد حتى لو تعارض الالتزام بالعقوبات الأميركية مع المصلحة الوطنية العراقية، ولاننسى أن النخب السياسية في العراق منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 مايو الماضي لم تتمكن من تشكيل الحكومة بسبب الضغوط الهائلة من طهران للإتيان بالسياسيين الموالين لها. وبالتالي إذا ما نجح السياسيون العراقيون الموالين لإيران من السيطرة على الحكومة الجديدة، فإن حكام العراق سوف يتخذون بالتأكيد قرارات تدعم المصالح الإيرانية.

الحكومة العراقية، وبغض النظر عن الضغوطات الإيرانية، مطالبة بالأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب العراقي في التعامل مع هذا الملف المعقد بالنسبة لها، ففي حال رفض تطبيق العقوبات الأميركية أو انتهاكها قد تفرض واشنطن عقوبات على العراق، كفرض عقوبات على شراء النفط العراقي، أو تجميد الأصول العراقية لدى الولايات المتحدة، وهو ما سيكون له آثار سلبية وكارثية على العراق، إن ملف العقوبات الأميركية على إيران يحمل في طياته تساؤلاً جوهرياً حول ولاء ووطنية المسؤولين والسياسيين العراقيين العراق أم إيران.