العقوبات الأميركية على إيران تخيف العراق

بغداد تعلن على مضض الالتزام بالعقوبات لكنها تخشى تبعات القرار باعتبارها وجهة استيراد هامة من طهران فضلا عن خطر المليشيات الموالية لإيران.

بغداد - أعلن العراق رسميا وعلى مضض التزامه بالعقوبات الأميركية على إيران، وهو قرار ليس بالسهل على بلد تمتلك أحزابها الشيعية الحاكمة علاقات وثيقة مع طهران، فالعراق طالما كان ساحة صراع بين الطرفين، يخشى اليوم تكرار ذلك.

الثلاثاء الماضي دخلت العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران حيز التنفيذ، وأكثر المراقبين ينظرون بقلق للتداعيات العراق الذي يمتلك حدودا برية طولها (1458 كلم)، ويقوم نظامه السياسي بعد العام 2003 على نفوذ إيراني متجذر، ويعتمد نظامه الاقتصادي على الصادرات الإيرانية على نحو كبير.

وليس غريبا أن العراق رغم انه حليفٌ للولايات المتحدة أعلن تحفظه على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي في أيار (مايو) الماضي، بل إن وزير الخارجية إبراهيم الجعفري وصف القرار الأميركي "بالأحمق"، فالعراق يعرف أكثر من غيره ما تعنيه تلك العقوبات الاقتصادية، ويعرف جيدا تداعيات هذا الصراع عليه.

لم يكن أمام الحكومة العراقية أي خيار إلا الالتزام بالعقوبات الأميركية خشية رد فعل أميركي غاضب قد يطيح بالاستقرار النسبي الذي تشهده البلاد بعد انتهاء المعارك ضد تنظيم "داعش" بمساعدة "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن.

المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي قال إن "الحكومة العراقية ليست مقتنعة بجدوى العقوبات الاقتصادية، هي في الغالب تضع المزيد من الصعوبات على الشعب، ولكننا سنلتزم بالاتفاق حفاظاً على مصلحتنا الوطنية".

ويضيف أن "العقوبات المتعلقة بالتعاملات المصرفية سيلتزم به العراق، ونتمنى أن يتم حل المشكلة عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية وهو شعار تلتزم به الحكومة العراقية".

السؤال الكبير المطروح حاليا هو هل يستطيع العراق فعلا الالتزام بهذه العقوبات؟، خصوصا وان النظام المصرفي في البلاد غير رصين ومتهم بالتورط في عمليات غسل أموال يومية، كما أن فصائل عراقية موالية لإيران لها نفوذ واسع على الأرض تعتبر أن العقوبات الأميركية هو اعتداء على "رمز التشيع والمقاومة".

العراق بنك إيراني

في آب (أغسطس) الماضي قال رئيس غرفة التجارة الإيرانية حميد حسيني إن بلاده تصدّر يوميا ما قيمته 20 مليون دولار من السلع (أي ما يقارب من 7 مليارات دولار سنويا)، وأضاف أن العراق هو ثاني اكبر وجهة تصدير لإيران وتشمل مواد بناء ومنتجات بترولية ومواد غذائية.

ويعتمد العراق بشكل أساسي على إيران في تأمين حاجته اليومية من المواد الغذائية منذ سنوات، أزمة الجفاف دمرت قطاع الزراعة بشكل شبه كامل خلال العقد الماضي، وهجر الفلاحون مهنة الزراعة، والشيء نفسه مع قطاع الصناعة، وجعلته يعتمد على الاستيراد، ومن الصعوبة على إيران والعراق إيقاف هذا التبادل التجاري.

يقول الخبير الاقتصادي أنور كاظم إن "إيران ستسعى إلى وقف انهيار عملتها المحلية عبر الحصول على الدولار بأي ثمن، والعراق اقرب هذه الدول، وستسعى للحصول على الدولار عبر زيادة صادراتها إلى العراق وباقي الدول الحليفة لها كما حصل في العام 2009 عندما وقعت عليها عقوبات مماثلة".

ويضيف "إيران استفادت من العراق في العقد الماضي عبر تصدير أطنان من السلع وأبرزها السيارات التي امتلأت بها شوارع العراق، وتبين لاحقا أنها رديئة الصنع، ولكن أسعارها الرخيصة دفعت آلافاً من العراقيين لاقتنائها، والنتيجة خسر العراق المزيد من الدولار، وتضرر بسبب هذه السيارات".

كاظم يشير إلى أن القضية اخطر وهي عمليات غسيل الأموال ونقل الدولار من العراق إلى الخارج عبر مزاد بيع الدولار اليومي في العراق والذي يواجه فعلا انتقادات كثيرة لغياب ضوابط صارمة"، فالبنك المركزي يقوم يوميا ببيع نحو 200 مليون دولار إلى مصارف وشركات صرافة وفق آلية غير واضحة.

وعلى مدى السنوات الماضية ناقش البرلمان هذه القضية ولكن دون حل، ويقول النائب مشعان الجبوري عضو لجنة النزاهة في البرلمان إن "لا احد يستطيع منع مزاد بيع العملة، لان هناك سياسيين يمتلكون مصارف وهمية يستفيدون من ذلك".

كتائب حزب الله
خطر المليشيات

ميدان صراع مسلح

ما زال العراقيون يحملون ذكريات سيئة عن سنوات العنف الطائفي، ويتذكرون كيف تحولت مدنهم إلى ساحة حرب قادتها الفصائل الشيعية الموالية لإيران ضد القوات الأميركية في صراع لم يكن للعراقيين فيه أي مصلحة.

ارتفاع أعداد القتلى الأميركيين اجبر الحكومة العراقية في العام 2007 على محاولة جمع الغريمين المتصارعين على طاولة الحوار، وعقد فعلا لقاء تاريخي بين سفيري واشنطن وطهران برعاية الحكومة العراقية لوقف العنف، ولكن الاجتماع لم يحقق غرضه.

اليوم مازالت هناك العشرات من الفصائل الشيعية الموالية لإيران تهدد القوات الأميركية الموجودة حاليا وان كانت أعدادها ومهماتها مغايرة عما كان عليه قبل عشر سنوات، فأعدادهم اليوم لا تتجاوز ستة آلاف يقومون بمهام استشارية ومع ذلك تتلقى تهديدات بشكل متكرر، وتضغط هذه الفصائل على الحكومة لإخراجهم باعتبارهم محتلين.

منذ أيام بدأت وسائل إعلام تابعة إلى فصائل شيعية عراقية الترويج لأخبار عن نية الولايات المتحدة خلق تنظيم إرهابي جديد في العراق ليكون ذريعة لبقائها في العراق، وابلغ مسؤولو "كتائب حزب الله" وفدا من الأمم المتحدة الشهر الماضي أنها "لن تسمح بولادة تنظيم إرهابي جديد برعاية الولايات المتحدة"، هذه الأخبار في الواقع هو جزء من دعاية بدأت بعد انتهاء المعارك ضد "داعش" نهاية العام الماضي.

في أيار (مايو) الماضي نشرت صفحات تابعة إلى هذه الفصائل مقطعا فيديو يظهر طائرات أميركية وهي تهبط في الانبار، وقالت الفصائل إن هذه الطائرات تقوم بنقل مقاتلي "داعش"، تزامنت مع مطالبة قادة هذه الفصائل بخروج القوات الأميركية من البلاد وإلا سيتم استهدافها.

ويرتكز وجود القوات الأميركية في الأنبار عند قاعدة "عين الأسد"، وتقوم بعمليات تدريب لقوات الأمن العراقية ومقاتلي العشائر وتوفير معلومات استخباراتية عن أماكن المتطرفين، وهذه المهام لا غنى عنها كما يقول رشيد المحلاوي احد مقاتلي العشائر في الأنبار.

ويقول المحلاوي إن "الوضع الأمني في الأنبار جيد، ولكن لا يمكن ضمان استمراره، وجود القوات الأميركية مهم، مشكلة الحدود الطويلة مع سورية خطيرة ولن نستطيع حماية الحدود دون الخبرات الأميركية، ولكننا ننظر بقلق إلى تهديدات بعض الفصائل المسلحة العراقية لاستهداف هذه القوات والمطالبة بخروجها من الأنبار".

ويضيف "قبل عشر سنوات كانت هناك فصائل مسلحة سنية وشيعية تقاتل القوات الأميركية المحتلة، ولكن القوات الموجودة اليوم ليست محتلة وإنما مستشارون بموافقة الحكومة العراقية، ونخشى من أن تدفع إيران بعض الفصائل لتهديد القوات الأميركية بسبب العقوبات الاقتصادية الأخيرة عليها، لان العراقيين هم من سيدفعون ثمن ذلك". (نقاش)