تحليل: لماذا تحرص موريتانيا على علاقات مع اسرائيل تغضب شعبها؟

نواكشوط- من أحمد سالم
السفير الموريتاني يشرب نخب العلاقات مع الرئيس الاسرائيلي السابق وايزمان

"لماذا حكومتنا ماضية في علاقات مشينة لا أحد من الموريتانيين يرغب فيها؟". سؤال من بين أسئلة كثيرة في هذا الاتجاه تتردد على شفاه معظم الموريتانيين المعروفين باهتمامهم بما يجري خارج بلادهم، وبخاصة في منطقة الشرق الاوسط البعيدة منهم جغرافيا.
موريتانيا أو الجمهورية الاسلامية الموريتانية كما أطلق عليها غداة استقلالها عن فرنسا عام 1960 تقع في الجزء الغربي للوطن العربي على شاطئ المحيط الاطلنطي، مشكلة بوابة العالم العربي على القارة الافريقية السمراء.
ويبلغ تعداد سكانها بحسب آخر إحصاء رسمي نشرت نتائجه في آب/أغسطس الماضي 2.5 نسمة معظمهم من العرب.
وقصة العلاقات مع الدولة العبرية أو "الكيان الصهيوني الغاصب" كما يسميها الشارع الموريتاني، بدأت كنتيجة مباشرة - برأي المراقبين - للعقاب الذي فرضته الدول العربية الخليجية على موريتانيا بسبب موقفها من حرب الخليج عام 1991 الذي طالب بحل "داخل البيت العربي"، وهو موقف أغضب الولايات المتحدة وحلفاءها.
ويبرر أحد مسئولي الحزب الجمهوري الحاكم في موريتانيا العلاقات الموريتانية-الاسرائيلية بالقول "نحن دولة ذات سيادة خدمنا القضية الفلسطينية دون مزايدة ودون أن نمن .. وسنستمر. لكننا نبحث أيضا كجميع الدول العربية عن مصالحنا".
ويضيف "موريتانيا فعلت ما فعلت جهارا وليس على حساب الفلسطينيين بل خدمة لقضيتهم ولا نساوم على قضية فلسطين لقاء المال".
وعلى العكس، تصف المعارضة الموريتانية ممثلة في شخص أحمد ولد داده الذي يعارض بشدة إقامة علاقات مع إسرائيل هذه الخطوة بأنها "عمل مشين وفاضح تجاوز كل الخطوط الحمراء وإهانة ليس للشعب الموريتاني العربي المسلم بل للقضية الفلسطينية".
لكن ولد داده نفسه أكد ذات مرة أن "إقامة علاقات مع إسرائيل يجب أن يتم مع مراعاة للتقدم الحاصل في العملية السلمية" وهو ما اعتبره المراقبون نوعا من القبول المشروط للتطبيع مع إسرائيل.
وفي الجانب الاخر وبعيدا عن آراء طرفي المعادلة السياسية في موريتانيا الحكومة والمعارضة، يستنكر الشارع الموريتاني، الذي يغلب عليه رد الفعل العفوي المنطلق من نظرة الدين الاسلامي إلى اليهود، إقامة هذه العلاقات ويعتبرها "تجاوزا على قيم الشعب الموريتاني ومقدساته".
وقد عكست المظاهرات المتكررة بشكل يومي في العاصمة الموريتانية منذ بدء العمليات العسكرية الجارية في الاراضي الفلسطينية رفض الشارع الموريتاني للعلاقات، حيث تعالت الاصوات المطالبة بطرد السفير الاسرائيلي وإغلاق "سفارة العدو" وقطع العلاقات.
لكن المراقبين لا يرون مؤشرات على قطع تلك العلاقات. فالحكومة ترى أنها "تسعى من خلالها إلى الضغط على إسرائيل وتشجيع الطرفين على المضي في عملية السلام وكسر الحواجز النفسية" ثم أن "العرب اختاروا السلام كخيار استراتيجي واستبعدوا اللجوء إلى الحرب لحل النزاع العربي- الاسرائيلي"، كما تقول الحكومة.
ويذهب زعيم حزب سياسي قريب من المعارضة إلى الاقرار بأن "العرب دفعوا موريتانيا باتجاه علاقات مع إسرائيل عندما اعتبروها من دول الضد" المؤيدة للعراق "وحاصروها اقتصاديا ودبلوماسيا ونعتوها بكل النعوت والاوصاف التي لا تليق ببلاد المليون شاعر .. أضف إلى ذلك أن «الطريق إلى واشنطن يمر بتل أبيب»."
وقد بدأت الخطوات الاولى للاتصال بإسرائيل في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام الذي دعيت موريتانيا للمشاركة فيه بصفة مراقب لكنها ما لبثت أن فتحت قنوات غير مباشرة عبر دولة عربية شرق أوسطية وبعضها عبر أسبانيا، إلى أن قررت نواكشوط وتل أبيب في 1995 افتتاح أقسام لرعاية المصالح داخل سفارتي أسبانيا في تل أبيب ونواكشوط.
وتطورت الامور بسرعة رغم وصول اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل عام 1996 حيث بدأ تبادل الزيارات بين مسئولي البلدين بشكل غير معلن قبل أن يتم توقيع اتفاق برعاية وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك مادلين أولبرايت في واشنطن في 28 تشرين الاول /أكتوبر/ 1999 بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
ولم تستطع الانتفاضة الفلسطينية أن تهز تلك العلاقات أو تجمدها ولم يمنع القصف والتغلغل والاغلاق من الاستمرار في تعزيزها لتشمل المجال البرلماني والتبادل التجاري .
وتأكيدا لقوة هذه العلاقات، قام وزير الخارجية الموريتاني الداه ولد عبدي بزيارة تل أبيب في أيار/مايو 2001 بينما كان القصف مستمر على مناطق السلطة الفلسطينية. وأعلن الوزير ولد عبدي موقف بلاده أمام رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون قائلا "نطالب الطرفين بوقف العنف وبالعودة إلى طاولة المفاوضات".