سلفية الشيخ فركوس.. الجزائر في مرمى التَّشدد

فركوس زعيم التيار المدخلي الملقب في الجزائر باسمه ولد بحي القبة بالجزائر (العاصمة) يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 والتحق بالمدرسة الجزائرية وتدرّج بها إلى المرحلة الثانوية ثم درس بكلية الحقوق والعلوم الإدارية ليتشرب فيما بعد بالفكر السلفي على يد محمَّد المختار الشنقيطي وأبو بكر الجزائري والشيخ عطيَّة محمَّد سالم ويعود إلى الجزائر العام 1982 حاملاً معه هذا الفكر.

بقلم: ماهر فرغلي

ظهر اسم زعيم السلفيين في الجزائر الشيخ علي فركوس ليثير الجدل مجدداً بعد فتوى نشرها ضمن "كلمته الشهرية" أواخر كانون الثاني (يناير) 2018، فاجأ فيها كثيرين بإقصاء مجموعات إسلامية عديدة من نطاق أهل السنة والجماعة، وكان خبر استقالته في أيلول (سبتمبر) 2017 من جماعة التيار السلفي المدخلي أثار في تساؤلات واسعة بين الخبراء المهتمين بظاهرة الإسلام السياسي، خاصة الجزائريين، الذين اعتبر بعضهم الاستقالة دليلاً على وجود خلافات عميقة بين أعضاء التنظيم السلفي المتشدد، والبعض الآخر رأى أنّ ذلك جاء نتيجة حتمية لمسار من الإثارة الدينية المتناقضة بين هذا التيار، ومذهب الغالبية العظمى من الجزائريين.

فتاوى فركوسية

الشيخ علي فركوس، هو زعيم التيار المدخلي، الملقب في الجزائر بسلفية فركوس، ولد وفق ما ورد بموقعه الشخصي، بحي القبة بالجزائر (العاصمة) يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، والتحق بالمدرسة الجزائرية، وتدرّج  بها إلى المرحلة الثانوية، ثم درس بكلية الحقوق والعلوم الإدارية؛ ليتشرب فيما بعد بالفكر السلفي على يد محمَّد المختار الشنقيطي، وأبو بكر الجزائري، والشيخ عطيَّة محمَّد سالم؛ ويعود إلى الجزائر العام 1982 حاملاً معه هذا الفكر.

ورغم أنّ له شعبية في الأوساط السلفية، إلا أنه من النادر أن يُعثر له على صورة؛ إذ إنه يحرم التصوير الفوتوغرافي، ولا يظهر في وسائل الإعلام. للشيخ "فركوس" فتاوى كثيرة غريبة، منها فتواه الشهيرة بتحريم "الزلابية" عشية رمضان العام 2008، التي أثارت جدلاً واسعاً، واضطر إلى نفيها بفتوى أخرى، لتهدئة الرأي العام الساخط عليه.

بحسب صحيفة "الخبر الأسبوعية".. فإنّ الفتوى موجودة في كتاب "40 سؤالاً في أحكام المولود لفضيلة الشيخ حسنة الأيام محمد علي فركوس"، وبحسب ما نشرته الصحيفة فإنّ فتوى الشيخ جاءت في الصفحة السادسة من الكتاب كالتالي "عمل بعض الحلوى كالزلابية أو العصيدة أو نحوها من الحلويات التي تخصص للمولود يوم سابعه، من بدع العقيقة، وعمل الحلوى يحتاج إلى دليل شرعي؛ لأنّ الطمينة في الغالب عند تقديمها يوضع في وسطها علامة صليب من مادة القرفة". اعتبر بعضهم استقالة فركوس من جماعة التيار السلفي المدخلي في الجزائر دليلاً على خلافات عميقة

وزيادة على فتوى تحريم الزلابية، نسبت الصحيفة للشيخ "فركوس"، فتوى جواز تقديم الرشوة من الملتحي الذي يريد إصدار جواز سفره بلحية إذا رفضت الإدارة استخراج هذه الوثيقة، وبحسب الصحيفة، فإنّ الشيخ "فركوس" أفتى بجواز نزع اللحية من الصورة بواسطة جهاز سكانر؛ تجنباً للوقوع في المحظور، وقبل ثلاثة أعوام أصدر الشيخ "فركوس"، فتوى دينية مثيرة للجدل، حول حكم تناول مادة "الكاشير" المعروف عنها كثرة استهلاكها من طرف الجزائريين.

وأفتى بعدم جواز أكل أيّ مادة بها "ملوّن" أحمر، بسبب ما قال إنها مادة مصنوعة من مسحوق الخنافس، وقال الشيخ فركوس في فتواه المنشورة على موقعه الإلكتروني الرسمي "فالملوِّن الغذائيُّ الأحمر المستخرَج من هذه الخنافس، لا يجوز استخدامه كأحد المركَّبات الصناعية الغذائية، ولا يجوز استهلاكه، وخاصَّةً مع طغيان لونه، لأنَّ هذه الخنافس معدودةٌ من الحشرات المستخبثة طبعاً عند جمهور أهل العلم". نسبت له فتوى جواز تقديم الرشوة من الذي يريد إصدار جواز سفره بلحية إذا رفضت الإدارة

الآخرون على ضلال!

يرى الشيخ فركوس أنّ سلفيته هي الأقرب للحق، أما الباقون فهم على ضلال مبين، لذا فقد كتب كتاباً حول شرك النصارى، و"كفر" الوطنية والقومية والعلمانية والليبرالية والحداثة، ووضع فتواه موضع القداسة، التي لا يجوز "دينياً" المس بها معارضة أو نقداً، حتى ولو من قبيل الشعارات السياسية. وقال في فتواه: "إطلاق مصطلح أهل السنّة، بالمعنى الخاص، فإنما يراد به ما يقابل أهل البدع والأهواء، فلا يدخل في مفهوم أهل السنّة، إلا من يثبت الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنّة، دون أصحاب المقالات المحدثة من أهل الأهواء والبدع". للشيخ فركوس فتاوى كثيرة غريبة منها فتواه الشهيرة بتحريم الزلابية عشية رمضان العام 2008

وأضاف: "الإسلام الذي يُمثِّله أهلُ السُّنَّة والجماعة أتباعُ السلف الصالح إنَّما هو الإسلام المصفَّى مِنْ رواسب العقائد الجاهلية القديمة، والمبرَّأُ مِنَ الآراء الخاطئة المُخالِفةِ للكتاب والسُّنَّة، والمجرَّدُ مِنْ مَوروثاتِ مَناهجِ الفِرَق الضَّالَّة كالشيعة الروافض والمُرجِئةِ والخوارجِ والصُّوفيةِ والجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرة، والخالي مِنَ المناهج الدَّعْوية المُنحرِفة".

نشرت صحيفة الشروق الجزائرية، أنّ الشيخ علي فركوس رد على منتقديه من العلماء والإعلاميين في كلمته الشهرية رقم 126 المعنونة: "تبيين الحقائق للسالك لتوقي طرق الغواية وأسباب المهالك"، وحملت عباراته الإعجاب بالرأي ورمي مخالفيه بالغواية واتهامهم بعدم الدراية، وعبر موقعه الرسمي تحت عنوان "تسليط الأضواء على أنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّة لا يَنتسِبُ إليه أهلُ الأهواء"، أشار إلى أنّ الصوفية والشيعة والمعتزلة والأشاعرة من الفرق الضالة، فضلاً عن كون مناهج مثل "الإخوان" والتبليغ "منحرفة" لا يربطها أي علاقة بمنهج "أهل السنة والجماعة".

خرجت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في بيان لها، طالبت بسرعة الرد على "فتاوى فركوس"، وقالوا: "إنّ ما جاء به فركوس هو خطير في مضمونه على وحدة الأمة وتماسكها وسلامة أفكارها، ولا بد عدم السكوت على هذا النوع من الأطروحات التي تذكي نار الفتنة بين أفراد الأمة وتؤججها". يرى الشيخ فركوس أنّ سلفيته هي الأقرب للحق أما الباقون فهم على ضلال مبين.

ورد "عدة فلاحي"، المستشار الإعلامي السابق لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية، في تصريحات صحفية لإحدى وكالات الأنباء، على فتوى "الشيخ السلفي الجزائري"، قائلاً: "ما نشره الدكتور فركوس يكشف بطبيعة الحال أنه وأتباعه والسلفية تتكلم باسم الأمة الإسلامية وتحتكر نظرتها وتفسيرها للسلام من الناحية العقائدية والتشريعية وغيرهم على خطأ وضلالة وباطل، ويبدو أنه أراد أن يتحدى محمد عيسى وزير الشؤون الدينية ولا يريد أن يخضع لإرادة المؤسسة الدينية الجزائرية".

تجاهل للوعيد الرسمي

يتوقع من هذا التيار المتشدد أن يشكل خطراً على المجتمع الجزائري، ورغم أنّ وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، ومنذ مجيئة إلى الوزارة كان قد توعد "السلفيين المدخليين" بحرب قادمة وتصفيتهم بسبب الخطر الذي يمثلونه من زرع للفتنة، وهدم للمرجعية الوطنية، حسب تصريحاته، إلا أن هذا الوعيد لم يمنع أصحاب الشيخ فركوس من النشاط جهاراً نهاراً في بعض المساجد، خاصة بالعاصمة الجزائرية. جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أكدت أن مضمون كلام فركوس خطير على وحدة الأمة وسلامة أفكارها

وتؤكد مصادر صحافية جزائرية مخاطر انتشار طائفة "المدخلية الفركوسية" بسبب غياب التشخيص الموضوعي والآليات الناجعة لمواجهة هذا الخطر الذي دمر دولاً بأسرها من قبل، خاصة أن هذا التيار يحرم العمل السياسي، والنشاط النقابي، والدستور والقوانين، وهو ما يعني محاربة الجزائريين من خلال ضرب القانون، وتوظيفهم المنحرف للنصوص الشرعية، وإخراجهم للقواعد العلمية عن إطارها، ولآثار العلماء عن سياقها، واستعمالهم المفرط للغة التعالي والكبر ضد من يعتبرونهم مخالفين خارجين عن المنهج، وعدم تحرجهم في إطلاق عبارات السب والشتم، والتحذير والتحريض، والرمي بالبدعة والضلال والمروق؛ والاحتقار والرغبة الكبيرة في سحق الآخرين، وهذه سمة عامة لهذا التيار أينما وجد سواء في الجزائر أو المغرب أو أوروبا أو مصر أو العراق أو الشام أو السعودية.