عالم الفروسية على مضمار الاندثار في الجزائر

رياضة سباق الخيل تشهد تراجعا متواصلا بسبب نقص الموارد وقلة الحوافز وغياب الشغف لدى الشباب.
عوائق كثيرة أتت على العصر الذهبي لسباقات الفروسية
الجيل الجديد لا يبدي اهتماما بمثل هذه السباقات ويعتبرها بالية

الجزائر - حتى مطلع الثمانينيات كان ميدان سباق الخيل في الخروبة في العاصمة الجزائرية يستقبل المراهنين المتحمسين والمتفرجين الانيقين إلا انه فقد من رونقه مع تراجع الفروسية في البلاد جراء نقص في الموارد والسمعة السيئة.
وتضم الجزائر تسعة ميادين لسباق الخيل لا تزال مفتوحة وهي الوحيدة الى جانب جنوب افريقيا بين دول القارة السمراء التي تشهد سباقات خيل بعربات.
وتعود اولى السباقات في ميدان الخروبة الى العام 1909 في ظل الاستعمار الفرنسي. وقد اقلعت منه في السنة نفسها اول طائرة مجهزة بمحرك في افريقيا.
ولقب لفترة طويلة بـ"لونشان الصغير" في اشارة الى ميدان لونشان الشهير في باريس. وقد حول ميدان الخروبة في الثمانينات الى منتزه ترفيهي ولم يستعد وظيفته الاساسية الا في السنة التي بلغ فيها المئة.

كل شيء قديم وبال. فلا شاشات تنقل السباقات التي لا تزال نتائجها تكتب بالطبشور على لوح اسود او على ورقة تعلق عليه

حول المستراد وفي المدرجات عدد الحضور قليل، اما المراهنون فلم يعودوا في ريعان الشباب.
وراء شبابيك التذاكر القديمة مع القضبان الحديد، يسجل الموظفون الرهانات بالقلم على دفاتر صغيرة. فرغم بعض اشغال التحديث لم تطرأ تغييرات كثيرة على ميدان سباق الخيل عبدالمجيد أوشيش وهذا اسمه الرسمي، منذ العصر الذهبي لرياضة الفروسية في الجزائر.
ويقول علي بوعام الموظف في الرهان الحضري المشترك فرع شركة سباق الخيل والرهان الرياضي وهي هيئة عامة "حتى السبعينات كانت سباقات الخيل تجذب فرسانا وزوارا دوليين".
وكان قرار منع الرهانات على السباقات التي تجرى في الخارج العام 1977، وجه ضربة قوية للقطاع حارما الرهان الحضري المشترك من الرهانات التي تجرى على السباقات الفرنسية. ويرى علي بوعام ان ذلك اتى على عالم الفروسية في الجزائر.

وكان من شأن نقل سباقات العاصمة الى وهران (على بعد 400 كيلومتر من العاصمة) ثم الى زموري (60 كيلومترا) على مدى 25 عاما اغلق خلالها الميدان، احباط عزيمة الكثير من المراهنين في العاصمة الجزائرية الذين يشكلون ثلاثة ارباع المراهنين في البلاد.
وقد ساهم بروز التطرف الاسلامي والحرب الاهلية في التسعينات والتدين المتزايد في جعل ميادين السباق "اماكن للرذيلة" خصوصا وان الاسلام يحظر العاب الميسر.
 الغاء جوائز السباقات الكبرى 
ويأسف بوعلام وهو موظف اخر في الرهان الحضري المشترك "في الماضي كان الكثير من الناس يراهنون من دون أي مشاكل. ما كان احد ليتدخل بشؤون الاخر لكن الوضع اختلف الان".
ويؤكد كريم شرايت مدير الرهان الحضري المشترك أن في الجزائر (42 مليون شخص) الان 10 الاف مراهن "اصغرهم في سن الخمسين".
ويبلغ المجموع السنوي للمراهنات حوالى مليار دينار (7,2 ملايين يورو) اي اقل بالف مرة من الرهانات في فرنسا وهو رقم لم يتغير منذ 20 عاما رغم التضخم المرتفع.
ويعود 65% من الرهانات الى المراهنين الفائزين فيما تمول نسبة 35% المتبقية قطاع الفروسية في الجزائر.
فعائدات شركة سباق الخيل والرهان المشترك المكلفة خصوصا تنظيم السباقات وصيانة الميادين بالكاد تغطي كلفة التشغيل ما يحول دون أي استثمار على ما يقول مديرها العام احمد ريان.
وبسبب النقص في الموارد، استمرت الجوائز المالية المخصصة للسباقات بالتراجع الى ان الغيت اعرق الجوائز الكبرى.
ومن اجل المحافظة على هذا القطاع، تعفي الشركة "اصحاب الخيول من رسوم المشاركة في السباقات" ما يؤثر سلبا على ميزانيتها على ما يؤكد ريان لوكالة فرانس برس.

تعود اولى السباقات في ميدان الخروبة الى العام 1909 في ظل الاستعمار الفرنسي. وقد اقلعت منه في السنة نفسها اول طائرة مجهزة بمحرك في افريقيا

ويشير رئيس جمعية اصحاب الخيول عيسى زايدي الى ان عدد هؤلاء تراجع بالنصف منذ الحرب الاهلية (1992-2002) بسبب النقص في الموارد وقلة السباقات والجوائز المالية معربا عن خشيته من اختفاء ما تبقى من رياضة الفروسية في البلاد.
جهود وعوائق 
ويحتضن ميدان الخروبة سباقات يوم السبت ورغم الترقب الكبير قبل انطلاق السباقات وصرخات التشجيع، تبقى الاجواء محبطة في صفوف المراهنين.
ويقول محمد الذي يراهن منذ سن السابعة عشرة "في غضون 50 عاما شهدت تراجعا كبيرا في سباقات الفروسية" التي باتت اقل عددا واثارة.
وقد اغلق المطعم الشهير في ميدان الخروبة الذي كان يستقطب زبائن من خارج اوساط المراهنين، ابوابه.
ويقول رشيد الذي يراهن منذ 30 عاما "كل شيء قديم وبال". فلا شاشات تنقل السباقات التي لا تزال نتائجها تكتب بالطبشور على لوح اسود او على ورقة تعلق عليه.
ونتيجة لذلك يرى الشباب ان هذه السباقات "بالية" على ما يؤكد مراهن باسف شديد وقد حاول من دون جدوى ان ينقل هذا الشغف الى نجله.
ويرى مدير الرهان الحضري المشترك في الجزائر انه من الضروري استقطاب مراهنين جدد من الشباب لزيادة العائدات. ومن اولويات تحركه رفع الحظر على المراهنات على سباقات في الخارج واستحداث قناة تلفزيونية مخصصة لهذه الرياضة.
ويوضح شرايت "في حال كان الرهان الحضري المشترك وهو بمثابة مصرف القطاع، في وضع جيد يمكننا ان نضاعف عدد السباقات وزيادة الجوائز المالية" معولا على حملة مقبلة لتلميع صورة الرهانات.
الا انه يشير بمرارة الى عائق اول يعترض هذا الطريق "وهو اقرار قانون حول التجارة الالكترونية في مايو/ايار يمنع الرهانات عبر الانترنت".