غلاء المعيشة في تونس خلال رمضان الأعلى منذ 27 عاما

انفلات الأسعار يؤرق التونسيين في ظل ضعف عمليات المراقبة وتنفذ الشبكات المتحكمة في عملية توزيع السلع.

تكفي جولة في الأسواق التونسية ليتعرف الملاحظ على أن ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان ألقت بتداعياتها على سلة التونسيين وسط ارتفاع نسبة تضخم تجاوزت7 بالمئة فيما أظهرت إحصائيات رسمية أن غلاء المعيشة اليوم يعد الأعلى منذ 27 عاما.

وعلى الرغم من الجهود التي ما انفكت تبذلها الحكومة ومنظمة الدفاع عن المستهلك للتحكم في الأسعار خلال شهر الصيام فإن انفلات الأسعار بات يؤرق التونسيين إما من خلال لجوء التجار إلى الترفيع أو من خلال غياب وجود لافتات إشعار الأسعار خاصة بشأن المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها الخضروات والفواكه واللحوم.

ويعد شهر رمضان بالنسبة للتونسيين "شهرا استهلاكيا بامتياز" إذ تتراوح نسبة ارتفاع النفقات على المواد الغذائية بالمقارنة مع بقية الأشهر ما بين 50 و100 بالمئة وفق تقديرات الخبراء ومنظمة الدفاع عن المستهلك.

وفي ظل ارتفاع الاستهلاك لا يرى التجار في شهر رضمان سوى فرصة سنوية لابتزاز شهوة الصائمين ولهفتهم وموسم سنوي كفيل بتوفير أكثر ما يمكن من الأرباح منتجين عدة أسليب ملتوية لتمويه أجهزة المراقبة والمواطن معا.

الشاهد يقوم بجولة لمراقبة الأسعار
ويستمر الغلاء

غلاء المعيشة

أظهرت بيانات حديثة للمعهد الوطني للإحصاء، مؤسسة حكومية، أن غلاء المعيشة اليوم في تونس يعد الأعلى منذ 27 سنة بعد أن تجاوزت نسبة التضخم 7.5 بالمئة حيث كانت شهدت البلاد أعلى نسبة تضخم العام 1986 بلغت 14 بالمئة.

وقبل انتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين كانت نسبة التضخم في حدود 3 بالمئة مما قاد إلى التحكم النسبي في مستوى غلاء المعيشة.

وأرجع معهدالإحصاء غلاء المعيشة إلى الارتفاع الكبير في غالبية المواد وفي مقدمتها مواد الغذائية بنسبة 7.7 بالمئة والملابس بنسبة 6.4 بالمئة والتجهيز المنزلي بنسبة 6.9 بالمئة والنقل بنسبة 9.5 بالمئة وخدمات الصحة بنسبة 5.6 بالمئة.

وقال معز الجودي الخبير الاقتصادي لميدل ايست أونلاين "إن معهد الإحصاء محل ثقة وله كفاءات قادرة على تقديم مؤشرات قريبة من الواقع". غير أنه لاحظ بالمقابل أن "المؤشرات يجب قراءتها بناء على الأوضاع العامة في البلاد وبناء على جودة الحياة وقبل ذلك كله بناء على مستوى المعيشة للتونسيين".

غير أن قراءات خبراء آخرين تشكك في مصداقية تلك المؤشرات بناء على ارتفاع أسعار العديد من المواد الغذائية مثل اللحوم الحمراء والسمك والخضروات والفواكه والمكسرات التي يقبل عليها التونسيون لإعداد حلويات السهرات العائلية.

وشهدت اللحوم الحمراء ارتفاعا بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة والسمك بنسبة مشطة بلغت في بعض أنواعه 200 بالمئة والمكسرات بنسبة تتجاوز 100 بالمئة.

ويبلغ سعر الكيلو الواحد من اللحوم الحمراء 25 دينار (نحو 11 دولار) بعد أن كان في حدود 18 دينار، ويصل متوسط سعر الكيلو الواحد من السمك 27 دينار(نحو 14 دولار) بعدما كان لا يتجاوز 15 دينار (نحو 7 دولارات).

دعا سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك التونسيين إلى مقاطعة عدد من السلع الغذائية وفي مقدمتها اللحوم الحمراء قائلا "المقاطعة هي السلاح الوحيد لمواجهة غلاء الأسعار والتاجر سيضطر إلى التقليص، يجب تغيير ثقافة الاستهلاك المصاحبة لكل الأعياد والمناسبات وترشيد الاستهلاك".

نقات تتجاوز الإمكانيات

إذا كان 60 بالمئة من التونسيين ينفقون رواتبهم خلال النصف الأول من كل شهر فإن وفق بيانات منظمة الدفاع عن المستهلك وبشهادة الأجراء أنفسهم فإن هذه النسبة ترتفع إلى نحو 80 بالمئة لتشمل حتى العائلات الميسورة نسبيا المنتمية للطبقة الوسطى.

وتقول منظمة الدفاع عن المستهلك إن المقدرة الشرائية المتدهورة بطبيعتها عادة ما تشهد انزلاق خطيرا خلال شهر رمضان نتيجة تهافت المواطن لا فقط على استهلاك المواد الغذائية وإنما أيضا على استهلاك كماليات مثل الحلويات والمشروبات.

وقبل حلول شهر الصيام دعت المنظمة التونسيين إلى "ترشيد الاستهلاك" وفق المقدرة الشرائية وإلى عدم "الإنفاق أكثر مما يتحمله الدخل الشهري للعائلات".

غير أن دعوات المنظمة عادة ما لا تلق أي تجاوب في ظل ترسخ ثقافة استهلاكية تزداد بشكل لافت خلال شهر رمضان إذ يتهافت التونسيون على شتى الملذات.

وكثيرا ما يلتجئ التونسيون إلى تغطية عجز نفقاتهم إلى التداين إما لدى البنوك أو الاستنجاد بالأقارب والأصدقاء الميسورين، وتتراوح مطالب القروض الشخصية من البنوك ما بين 3000 و2000 دينار (1200 ـ 800 دولار) يتم تسدسها على أقساط.

الشاهد يقوم بجولة لمراقبة الأسعار
لا جدوى

وأظهرت إحصائيات للبنك المركزي أن تدين الأسر التونسية لدى مختلف البنوك سجل ارتفاعا بنسبة 61 بالمئة منذ العام 2010 منها 35 بالمئة قروض موجهة للاستهلاك.

الاستهلاك أولا

يقود الإفراط في الإنفاق على السلع بالأسر التونسية إلى تغيير تركيبة النفقات إذ ترتفع النفقات الموجهة إلى الاستهلاك من 28 بالمئة خلال الأشهر الأخرى إلى نحو 73 بالمئة وفق تقديرات الخبراء في التنمية الاجتماعية ومنظمة الدفاع عن المستهلك.

وتتراجع النفقات الموجهة إلى الملابس والنقل والتجهيزات المنزلية وغيرها مجتمعة إلى نحو 44 بالمئة على أن نفقات الملابس ترتفع مع حلول عيد الفطر إلى 53 بالمئة.

وفيما تجاهر الحكومة بأن الاستهلاك المفرط يمثل عبئا ما حدا بها إلى تزيد السوق بكميات إضافية من السلع وتركيز نقاط بيع يرى معز الجودي أن الاستهلاك من وجهة اقتصادية هو ظاهرة إيجابية.

ويقول الجودي "يمكن أن نعتبر أن الاستهلاك يمثل آلية من آليات تحريك النشاط التجاري ومن ثمة تحريك الإنتاج".

لا جدوى للمراقبة

وخلال هذه الأيام الأولى من شهر رمضان قاد يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية زيارات ميدانية حاثا الأجهزة الرقابية على انتهاج الحزم مع أي شكل من أشكال تجاوز القانون واستغلال الصائمين واتخاذ إجراءات حازمة لمعاقبة المخالفين.

ولئن قادت تلك الجهود إلى الحد من المخالفات إلا أنها لم تقضي عليها تماما، وخلال جولة قام بها مراسل ميدل ايست أونلاين في عدد من الأسواق منها سوق أريانة والعوينة باب سعدون وسيدي البحري وحي التضامن بالعاصمة تونس لاحظ العديد من المخالفات.

يلتجئ التجار إلى عديد الأساليب الملتوية منها كتابة سعر قانوني على اللافتة وسعر أرفع غير قانوني على الواجهة الأخرى لللافتة، فإذا ما لاحظ قدو فريق مراقبة الأسعار قلب اللافتة ليظهر السعر القانوني ثم يعيد قلب اللافتة ما إن يغادره فريق المراقبة.

كما يلتجئ التجار إلى بعثرة لافتات الأسعار حتى إذا سال المواطن عن السعر حدقوا فيه مليا للتثبت من مكانته الاجتماعية قبل أن يجذبوا معتذرين بارتباك لافتته الأسعار.

وخلال السنوات الأخيرة ما انفكت منظمة الدفاع عن المستهلك تدعو الحكومة إلى محاربة الاحتكار باعتباره شكلا من أشكال الفساد وطريقة لاستغلال التونسيين.

غير تنفذ الرؤوس التي تدير الشبكات وتتحكم في عملية توزيع السلع التي تقتنيها بأسعار تكاد تكون زهيدة من المزارعين حال دون الإطاحة بها من قبل الحكومة.

وأظهرت تقارير إعلامية أن الفارق بين سعر الخضار والفواكه عند البيع من قبل الفلاح والسعر الذي تفرضه الشبكات المتحكمة في الأسعار يتجاوز 50 بالمئة.

ويشدد سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك على أن "المضاربة والاحتكار ظواهر موجودة ساهمت في اهتراء القدرة الشرائية " داعيا إلى "تكثيف المراقبة".

وفي مسعى إلى مواجهة الأسعار والاحتكار ركزت الحكومة بالتنسيق منظمة الدفاع عن المستهلك نقاط بيع السلع من المنتج إلى المستهلك دون المرور عبر الوسطاء.