في مسعى إيران لإفشال التغيير في العراق

في الظاهر يبدو زج مجلس النواب في قضية تزوير الانتخابات مسألة شخصية للخاسرين. في الباطن هو قضية فشل إيران في تشكيل تحالف استمرار المحاصصة الطائفية.

تحت عطاء تزوير الانتخابات العراقية يشهد العراق صراعا غير مسبوق بين الأحزاب والكتل السياسية، قد يؤدي إذا ما انتهى إلى طرق مسدودة إلى احتكاك مسلح، سيكون هذه المرة شيعيا خالصا.

وإذا ما كان التزوير ليس جديدا في بلد محكوم بالفساد منذ خمس عشرة سنة فإن الجديد في الأمر أن يعترف الفاسدون علنا بحقيقة أن الصناديق الانتخابية قد جرى بيعها وأن الأصوات التي نالها عدد من المرشحين الفائزين ليست حقيقية.

اما أن تصل الأمور إلى مجلس النواب المنتهية ولايته ليكون طرفا في صراع، يعرف الكثيرون أنه قد يؤدي إلى نسف العملية السياسية برمتها واحالة الأوراق كلها إلى الميليشيات فإن ذلك يعني أن هناك جهات قوية تسعى إلى احباط ما نتج عن الانتخابات الأخيرة من آمال في التغيير والعودة بالعراق إلى مربع المحاصصة الحزبية التي سميت بالطائفية وهي ليست كذلك، بالرغم من أن الطائفية هي الأخرى صفة بغيضة.

المدهش في الامر ان تهمة التزوير لم توجه إلى ائتلافي "سائرون" و"النصر" اللذين صار تحالفهما يمثل بالنسبة للعراقيين خشبة الخلاص، ذلك لأنهما يستندان في مشروعيهما السياسيين إلى الانتقال بالدولة العراقية من مرحلة المحاصصة الحزبية إلى مرحلة الكفاءات التي لن يجري توزيع المناصب الحكومية فيها باعتبارها غنائم حزبية.

دعاة الدولة المدنية وهم الفائزون لم تكن لهم أية حصة في التزوير.

لقد تورطت المفوضية المستقلة للانتخابات حسب ما ورد في اعتراض مجلس النواب على النتائج في قضايا فساد، كانت أحزاب وكتل المحاصصة أطرافا فيها.

في الظاهر تبدو المصالح الشخصية لنواب خسروا في الانتخابات وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب ونائباه سببا مقنعا للزج بمجلس النواب في معركة ضد الشعب العراقي غير أن ذلك السبب يصغر حين ندرك أن إيران فشلت في تشكيل التحالف الأكبر في مجلس النواب القادم لذلك فإنها تسعى إلى الغاء الانتخابات والسير بالعراق إلى حرب أهلية.

تعرف إيران أن ائتلافي "سائرون" و"النصر" صارا بمشروعيهما يحكمان المرحلة المقبلة بالنسبة للشعب العراقي. سيكون ذلك التلاقي بمثابة ضربة قاضية للنفوذ الإيراني في العراق. وهو ما سيحقق واحدا من المطالب الأميركية من أجل دفع إيران إلى الانصياع للإرادة الدولية.

ما تفكر فيه إيران ينسجم مع طريقة نظرها إلى شعوب المنطقة.

فهي لن تشعر بالعار إن خرجت من العراق تنفيذا لشرط أميركي غير أن العار سيلاحقها لو أنها فعلت ذلك رضوخا لإرادة عراقية.

عقدة إيرانية وضعتها نتائج الانتخابات الأخيرة تحت المجهر.

تسعى إيران اليوم إلى الزج بكل أتباعها في العراق، شيعة وسنة في معركة، الهدف منها القفز على نتائج الانتخابات الأخيرة والعودة إلى نظام المحاصصة في توزيع المناصب الحكومية على هيئة حصص يتم اقتسامها بين الأحزاب التي احتكرت الحياة السياسية منذ سنة 2003.    

كل المعطيات تشير أن إيران وقد ضربتها مقدمات العاصفة لم تنجح في إدارة المركب الشيعي في العراق.           

إذا أردنا الدقة فإن ذلك المركب لم يعد موجودا. المشهد السياسي يقول إن هناك مراكب شيعية لم تعد معنية بشيعيتها. 

ولن يكون مفاجئا أن تعجز إيران في إقامة تفاهمات بين ولديها هادي العامري ونوري المالكي يمكن أن تؤدي إلى إقامة تحالف حكم بينهما. فالعامري مثله مثل حسن نصرالله هو ابن بايلوجي اما المالكي فإنه ابن بحكم الحاجة والمصلحة.

ولأن إيران تنتظر استحقاقا مصيريا عظيما فإنها سارعت إلى تأجيج الاحتجاجات بين أتباعها سعيا منها إلى الغاء نتائج الانتخابات بذريعة التزوير الذي دأبت دائما على رعاية المستفيدين منه وهم أتباعها.

من المؤكد أن نتائج الانتخابات لن تُلغى، غير أن الغاءها سيكون ضمنيا إذا ما أجبر الفائزون على القبول بحكومة محاصصة، يكون لأتباع إيران وجود مؤثر فيها. وهو ما يعني انتصار إيران مرة أخرى على إرادة الشعب العراقي.