كفيشي الدَّعويين وفيشي الحوثيين

ما بين حزب الكفيشي وجماعة الفيشي أن خصومهما يعدون خصوماً لله، وكل منهم يبحث عن سبيل إلى الحاكمية.

ما جاء في العنوان ليسا نعتين، وإنما اسما قياديين إسلاميين، خطيب «الدَّعوة» عامر الكُفيشي وأبو مالك يوسف الفيشي. يطل الكفيشي كلَّ جمعةٍ بخطبة مِن قناة حزبه، هدفها تحشيد الكراهية وتأصيل مبدأ «الحاكمية»، التي قال بها أبوالأعلى المودودي (ت 1979) وسيد قطب (أُعدم 1966)، ظهر برنامجه «حديث الجمعة» للدفاع عن الإسلاميين بعد أن اشتد انتقادهم، على ما ارتكبوه من فساد واغتيالات نُسبت إلى أجهزتهم الحزبية. أما أبو مالك يوسف الفيشي فهو قيادي في الحركة الحوثية باليمن، وصاحب منصب في القصر الجمهوري بصنعاء.

وإذا كان كفيشي «الدَّعوة» متضايقاً مِن المظاهرات العراقية، لأنها ضد حزبه، وقد عمت المحافظات الجنوبية والوسطى، وراح ضحيتها عدد كبير من الشباب بين قتيل وجريح، فما الذي جعل القيادي الحوثي، وهو المقيم بصنعاء، يتضايق من التظاهرات العراقية، وهي لم ترفع لافتةً ضد حركته، بل إن معظم المتظاهرين لم يسمعوا لا باسم «أنصار الله» ولا «الحوثية» ولا «الشّباب المؤمن»، ولا كائن يسمى «الفيشي».

غرد القيادي الحوثي في حسابه على تويتر (21/7/2018) نصاً: «المظاهرات في العراق ظاهرها مطلبي وباطنها داعشي، يُراد لها أن تمدد إلى طهران». هنا لم يعد الأمر غريباً، مع أن الإيرانيين سبقوا العراقيين إلى التظاهر، وكادت «ولاية الفقيه» تتزلزل، بعد انتخابات (2009)، لولا أن المرشد أسعف الموقف وألغى النتائج، والتي كان بموجبها تيار مير موسوي ومهدي كروبي على وشك تسلم رئاسة الجمهورية، وعندها ستكون الولاية التي يقدسها «الفيشي» و«الكفيشي» على قلق. غير أن الأمور سارت على غير طبيعتها، فاعتقل كروبي وموسوي وما زالا غير طليقين.

تحول الكفيشي إلى مفسر للقرآن الكريم، يبدأ بآية، ويأخذ بتفسيرها، مُقلداً الشيخ محمد متولي الشعراوي (ت 1998)، مع اختلاف في الأعلمية واللباقة، ومنها يكيل الاتهامات للمتظاهرين ضد الأحزاب الدينية، إلى التحريض بالتكفير، مؤكداً نزاهة الإسلاميين، لكن بعد أن «طفح الكيل»، أخذ يعترف بوجود فاسدين بينهم، وأبناء المراجع والمعممين، حسب خطبته في الجمعة الماضية (20/7/2018)، «لكن لا يجوز القول: كلهم، لأن هذا كلام فاسد»!

أقول: كيف يطلب عدم التعميم، وهو يُذيع تحريضه من فضائية تأسست بأموال منهوبة، وأن السلطات اللبنانية وضعت يدها على مليار ونصف المليار دولار تخص حزبه، والإنتروبول سلَّم وزيراً من وزراء حزبه بتهمة فساد كبرى، والمسؤول الأول في حزبه أهدى أكاديمية البكر لقيادي دعوي، وأن القيادي في حزبه، وكان محافظاً لبغداد، قد أُبعد ببيان صريح، بعد فضيحة فساد، ومع الدليل الذي أصبح بمتناول الجميع، لم يستطع حزبه سترها، وأي قيادي من قيادات الإسلاميين جميعاً ظل بعيداً عن الفساد؟

سيقول الكفيشي إن فضائية «آفاق»، ليست منهوبة، جُمعت أموالها من التبرعات، وهنا نأتيه بحديث صريح يقول لمن تصدر المسؤولية، وجاءت له «الهدايا»: «ما بال العامل نبعثه فيأتي ويقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه واُمه فينْظر أُيهدى له أم لا؟» (صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب هدايا العُمال). نسأل الكفيشي: ماذا كانت أحوال حزبه المالية قبل تسلم رئاسة الوزراء؟ وكيف أصبحت؟ لهذا يصعب على المتظاهرين الذين اتهمهم الكفيشي، وقال «نخشى من الفاسدين عليهم»، أن يميزوا بين النزيه والحرامي في أصحابه، وقلنا لا نظن أن رأساً من رؤوسهم ظل نزيهاً؟! وللشيخ الوزير علي الشرقي (ت 1964)، وكان العثمانيون تركوا العراقيين مثل حالهم اليوم: «أرهقت شدة المظالم جيلي/ إذا هم جيلٌ من الأشباحِ» (منجل الفلاح 1925). أقول: الويل مِن غضب «الأشباح».

عبر الفيشي الجبال والوهاد مغرداً ضد العراقيين، على أنهم دواعش، ناسياً أن جماعته تلتقي بـ «داعش»، فمِن «إسلامية» الجميع أنهم يمارسون تجنيد الأطفال، وقد تنافسوا مع «الإخوان» على التكفير، فإذ كُفرت بشرى مقطري من قبل «الإخوان»، كُفر محمد القباطي مِن قِبل الحوثيين بتهمة تشجيع الاختلاط بين الجنسين (الدَّيقيمي، تعرف على أبرز ضحايا التكفير في اليمن).

ما بين حزب الكفيشي وجماعة الفيشي أن خصومهما يعدون خصوماً لله، وكل منهم يبحث عن سبيل إلى الحاكمية. الأوطان عندهما لا قيمة لها إذا لم يكن قرارها بيد الولي الفقيه، فالقلق من التظاهرات العراقية قلق على ما صرح به علي أكبر ولايتي، مؤكداً لمسؤول الأمن الوطني الدعوي: «أن الوحدة القائمة بين إيران والعراق، إلى جانب سائر شعوب المنطقة، تحمل رسالة واضحة وصريحة إلى الأميركيين، مفادها أنه لا مكان لهم في مستقبل المنطقة».

لا تحد أمثال الكفيشي والفيشي حدود الجغرافيا، ومصيرهما المشترك قد تقرره التظاهرات العراقية، فالغرور بقدسية الولاية أسقطه أهل البصرة بهتاف: «إيران بره بره البَصْرة تبقى حرة».

نعود للشرقي في محنة العراق الكبرى، وقد رسم الإسلاميون نهايته: «كثر الشوك في العراقِ وقد زاد/ اشتباكاً وألتف جذراً بجذر» (على سدة الفرات 1927)، ميليشيات تتناسل ومافيات تمسك بزمام الأمر، تلتف «جذراً بجذرِ».