كما لو أن داعش طائر الفينيق

الحرب على الإرهاب في حاجة إلى داعش لكي تستمر.

حسب الأسطورة اليونانية فإن طائر الفينيق (العنقاء لدى العرب) يقوم من رماده كل ألف سنة. كذلك هو تنظيم داعش الإرهابي الذي ينبعث من رماده بين حين وآخر.

كلما اختفى ذلك التنظيم وتنفست المدن المنكوبة به الصعداء ظهر ثانية قويا وماهرا في اصطياد ضحاياه كما لو أن الحروب المتتالية التي ضربته لم تنل منه ولم تقصم ظهره.

لا وقت محدد لظهوره فهو يقف خارج الزمن. الزمن الكوني والزمن البشري. الحاجة إليه هي التي تتحكم بالمسافة الفاصلة بين سباته ويقظته. ولا أحد بات مطمئنا إلى أن مقتل الالاف من أفراده سيضعفه ويقرب وفاته. هناك الاف جديدة من مجاهديه لا تزال تنتظر أن يكون لها دور في عملياته المقبلة التي لا يعرف أحد من بين تلك الالاف متى وأين تبدأ.

ولم يعد السؤال عن القضية التي يقاتل من أجلها أولئك المجاهدون ذا فائدة. فحكاية التنظيم صارت مرتبطة بالمعادلات السياسية في المنطقة التي يتم وضعها من الخارج من قبل جهات يُشك في أنها هي المسؤولة عن إدارة التنظيم الإرهابي وحركته.

داعش مثله مثل حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق العراقية يتم وضعه في الخدمة حين تكون الحاجة إليه ماسة.

الفرق أن داعش هو تنظيم افتراضي. وهو ما ينقض فكرة دولة الخلافة الإسلامية التي ألقى خطبة قيامها الممثل الشهير أبو بكر البغدادي من على منبر الجامع النوري بالموصل.

سيكون علينا أن نعتبر ذلك البغدادي مجرد ممثل ثانوي. فالحاجة إلى داعش أكبر من التنظيم نفسه. هناك دول تنفذ أجنداتها من خلال التنظيم الإرهابي، باعتباره ماركة تجارية مسجلة يمكن استعمالها من قبل جهات عديدة حول العالم من غير الحاجة إلى الحصول على إذن خاص.

من ذلك أن أطرافا سياسية عراقية عديدة صارت تلجأ إلى تفجير السيارات أو مهاجمة البلدات النائية كلما شعرت بالحاجة إلى الضغط على الشعب العراقي وارهابه بعمليات القتل التي يُقال دائما أنها تحمل بصمات داعش. وهي حيلة إعلامية سخيفة ساهمت في تضليل الرأي العام.     

بهذا المعنى فإن داعش لن يموت ما دامت الحاجة إليه باقية.

لا معنى إذاً للحرب على الإرهاب ما دامت غير قادرة على القضاء على داعش. هذا استنتاج خطأ. فداعش كما اسلفت مجرد اسم. لافتة تتغير دائما الجهات التي ترفعها أو تقف وراءها.  

في ظل كل تلك المعطيات سيكون من السذاجة القبول بالمعادلة التي تجعل من الإرهاب والحرب عليه طرفيها. فالإرهاب والحرب عليه يقفان على كفة واحدة فيما تقف الشعوب المتضررة منهما على الكفة الأخرى.

وهكذا تكون الحرب على الإرهاب في حاجة إليه لكي تستمر.

لن يكون اكتشافا عظيما إذا ما قلت إن هناك جهات كثيرة مستفيدة من داعش. لا أقصد هنا الجهات التي اخترعت التنظيم الإرهابي ومولته وزودته بالخرائط التي تتحكم بحركته وفرضته على عالم الانترنت والفضائيات حسب بل وأيضا جهات كثيرة صارت تسلي الشعوب بألعاب داعش القاتلة.

داعش هو أشبه بلعبة الكترونية فضاؤها ومجالها الواقع.

مخترعو تلك اللعبة والمستفيدون منها يعرفون جيدا أنها لم تُستهلك وأن زمن نفاذها لا يزال مفتوحا. وهم لذلك لا يشعرون بالحرج وهم يرتكبون جرائمهم ضد الإنسانية بذريعة يقظة خلايا داعش النائمة.

هناك شيء اسطوري يغلف الحكاية كلها بظلاله المعتمة. بالتأكيد هناك الكثير من الأسرار التي تتعلق بالإرهاب وإن كانت جهات كثيرة قد افتُضح أمر تورطها في المسألة التي باتت تؤرق وتقلق الملايين. غير أن الاستمرار في تلك الحكاية قد يعني فناء أمم وابادة شعوب وتسليم دول إلى مصير عبثي أسود تفقد بسببه القدرة على النهوض ثانية.

لن يكون من العدل أن تندثر شعوب مقابل أن يُبعث داعش كما لو أنه طائر الفينيق الخرافي.