كيف نسفت حماس القضية الفلسطينية

ما فعلته حماس يكمن في حقيقة أنها طوت صفحة النضال الوطني الفلسطيني لتبدأ صفحة جديدة عنوانها الإسلام السياسي.

ليست حماس مشكلة تؤرق أصحاب القرار في إسرائيل. وإن بدا الأمر غير ذلك من خلال الغارات الجوية التي يقوم بها الطيران الإسرائيلي بين حين وآخر على غزة المحاصرة.

حركة حماس الإسلامية هي في حقيقتها مشكلة فلسطينية خالصة. ربما كانت اختراعا من قبل دول، كانت تمد يدها بيسر إلى القرار الفلسطيني لتمحو سطوره وتكتب بدلا منها سطورا جديدة. غير أنها كانت حين تأسيسها امتحانا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي بان عجزها عن احتواء التغيرات في ساحة النضال الفلسطيني في مرحلة ما بعد بيروت المحتلة عام 1982، تاريخ الاجتياح الإسرائيلي.

تناقضات كثيرة حملتها منظمة التحرير إلى السلطة الفلسطينية التي ولدت من خلال عملية قيصرية في أوسلو من غير أن يكون هناك أمل في ولادة دولة اسمها فلسطين، كان غصن الزيتون الذي حمله ياسر عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عنوانا لها، وهو العنوان الذي بقي من غير محتوى.

صحيح أن إسرائيل خيبت آمال عرفات وأحبطته ودفعته إلى الموت يائسا، غير أن الشعب الفلسطيني الذي عُرف بتفوقه في مجال التعليم لم يكن في حاجة إلى تنظيم اخواني يضفي على نضالاته طابعا دينيا يُخرجه من العصر الحديث ويزج به في العصور المظلمة.

حماس هي ذلك التنظيم الظلامي الذي أخرج حركة التحرير الفلسطيني من إطارها الوطني لتكون دعوة للجهاد الذي لا يمكن تبرئته من مرجعياته الغامضة التي لا تستقيم مع المسعى الفلسطيني لاستعادة وطن.

لقد ناضل الفلسطينيون بإبداع من أجل تثبيت هويتهم الوطنية المهددة بالاقتلاع وكان عدوهم في ذلك المجتمع الدولي كله. كان مشهد "أبو عمار" خطيبا في الأمم المتحدة عنوانا لانتصارهم الذي لم يتكرر.         

ما فعلته حماس يكمن في حقيقة أنها طوت صفحة النضال الوطني الفلسطيني لتبدأ صفحة جديدة، عنوانها الإسلام السياسي الذي لا يرى في فلسطين إلا مناسبة للإعلان عن وجوده.

كان الاختلاف مع حركة فتح مجرد ذريعة لكي تستقل حماس بأرض، تكون هي الأرض المحررة التي يقيم عليها الاخوان. أقصد غزة التي ابتليت بحماس ومغامراتها الفاشلة.

وإذا ما كانت حركة حماس قد ضحكت زمنا على سوريا وإيران فإنها ظلت وفية لعلاقتها بتركيا أردوغان. فهي جزء من التنظيم الدولي للإخوان الذي يجد في دولة أردوغان بتركيا نموذجه الأمثل.

ولهذا يمكن القول أن حركة حماس لم تكن منذ البدء تنظيميا وطنيا فلسطينيا. هي جزء من المشروع الاخواني الذي لا يرى في إسرائيل عدوا، بل ينظر إليها من زاوية التأويل الديني الذي لا يرى في الحدود الجغرافية بين الدول إلا نوعا من التغريب السياسي.

لقد نشأت حماس باعتبارها حركة تهدف إلى وأد الحلم الوطني الفلسطيني. فهي من جهة كونها حركة دينية لا تؤمن بالأوطان ولا بالحدود التي تعتبرها جزءا من مؤامرة سايكس بيكو لتمزيق الامة الإسلامية بعد اندحار الخلافة العثمانية.

كل الحروب الخاسرة الني خاضتها حماس ضد إسرائيل كان الهدف منها التذكير بوجودها ولم تكن القضية الفلسطينية حاضرة. صحيح أن فلسطينيي غزة دفعوا ثمن تلك الحروب غير أن قضيتهم الأساسية لم تنل ما تستحقه من النظر من قبل المجتمع الدولي الذي كان ينظر بقلق إلى ما يجري في القطاع الذي استولت عليه حماس.

كانت هناك دائما أزمة إنسانية في غزة. ولم تكن فلسطين حاضرة.

نجحت حركة حماس في تحويل الأنظار من فلسطين باعتبارها قضية كبرى إلى غزة باعتبارها أزمة إنسانية.

ليس من باب التكهن والحال في غزة على ما هي عليه من بؤس لم يترك من مستو من مستويات الحياة إلا وضربه القول إن حركة حماس أرادت من خلال غزة أن تقدم نموذجها في ما يمكن أن ينتهي إليه الحال في فلسطين.

فبالرغم من كل المساعدات الدولية، المعلنة منها والخفية التي قُدمت لغزة من أجل انقاذها من واقعها البائس فإن حركة حماس وقد استولت على تلك المساعدات عرفت كيف تبقي الفلسطينيين في حالة فقر وعوز دائمة. لا لتتسول من خلالهم حسب بل لتعرف العالم بهم باعتبارهم شعبا يعاني من العوز والفاقة وليس من هم له سوى التفكير في نقص الأغذية والأدوية.

لم تشوه حماس حقيقة النضال الفلسطيني حسب بل أهانت الإنسان الفلسطيني حين محت شخصيته المناضلة وعرضته على العالم باعتباره ضحية لنزوات طرفين غير عاقلين.