لمَ لا تغير الشعب سيدي الرئيس

أليس من حق همام حمودي وهو نكرة جرى تعريفها من خلال رافعتي الاحتلالين الأميركي والإيراني أن يتهم الشعب العراقي بالفساد؟

أتذكر أن رئيس جمهورية المانيا الديمقراطية الأخير أريش هونيكر (حكم بين عامي 1976 و1989 كان يبدي تبرمه من الشعب الألماني وهو ما دفع أحد الصحفيين إلى القول له ذات مرة "لمَ لا تغير الشعب سيدي الرئيس".

ذهب هونيكر الذي توفي عام 1994 بعد أن فقد منصبة إثر سقوط جدار برلين وبقي الشعب الألماني.

همام حمودي وهو معمم أمي أتاح له الاحتلال الأميركي أن يكون جزءا من الطبقة السياسية التي تحكم العراق منذ عام 2003 لم يسمع بالتأكيد بتلك الحادثة حين اتهم الشعب العراقي بالفساد.

حمودي هذا ليس سوى دمية من الدمى الإيرانية غُرر به حين أتيحت له فرصة أن يكون عضوا في مجلس النواب، بل أنه أصبح نائبا لرئيس ذلك المجلس.

أقول "غُرر به" لأن الرجل لم يكن يحلم بأكثر من منبر في جامع ريفي يمارس من خلاله أباطيله في التضليل والخداع والابتزاز الديني من أجل أن يكسب شيئا من أموال الخمس. فإذا بالثروة تهبط عليه من غير أن يحتسب من خلال الزج به في منجم الذهب الذي هو مجلس النواب العراقي. هناك حيث تُدار عمليات الفساد التي يُضفى عليها طابع قانوني.

لقد خُيل لذلك الجاهل بعالم السياسة وهو الذي ينظر إلى الناس من فوق منبره الخيالي باعتبارهم غنما تُقاد إلى الذبح يوم الآخرة أن النعمة التي وقعت عليه هي هبة الهية لا تزول. لذلك فإنه غضب وارتجل كلاما سوقيا يليق به حين لم يهبه العراقيون أصواتهم، معتبرا أنهم وقفوا بينه وبين إرادة الله.

فجع السيد حمودي بأن من يعتبرهم أغناما قرروا أن لا يذهبوا إلى الآخرة بموجب وصفاته الطائفية الجاهزة وانحازوا لحياتهم في الدنيا وكان شعارهم الذي أزعجه هو "باسم الدين سرقنا اللصوص".

لقد حرمه الشعب من البقاء في مجلس النواب باعتباره فاسدا.

وتلك بالنسبة له واحدة من مظاهر العداء للمشروع الإسلامي الذي اتضحت ملامحه بالنسبة للشعب من خلال عمليات الفساد التي جعلت العراق وهو بلد ثري يتسول من أجل اعمار مدنه التي هدمتها الحروب الطائفية.

المشروع الإسلامي الذي يعتبر حمودي وجوده في مجلس النواب جزءا منه لا يعني سوى الانزلاق بالعراقيين إلى الجهل والمرض والفقر والتعصب انهيار القيم الأخلاقية والتسول والنزوح.

ذلك المشروع الذي قُدر للعراق أن يكون ضحيته عبر أكثر من اثني عشر عاما يمكن اختصاره بإذلال العراقيين بعقدة الذنب، كون الامام الحسين بن علي قد قُتل على أراضيهم بعد أن فشل في ثورته قبل حوالي ألف واربعمائة سنة.

يدفع العراقيون ثمن جريمة تاريخية فيما يتربع مسوقو تلك الجريمة على كراسي الحكم الذي فتح أمامهم أبواب المصارف العالمية وجعلهم من أكبر ملاك العقارات في دبي ولندن ومشيغان وجنيف واستكهولم وعمان وبيروت وباريس.

لقد أجرى سلف حمودي في منصبه خالد العطية ذات مرة عملية البروستات على حساب الشعب العراقي وقد اعتبرت تلك العملية جزءا من المشروع الإسلامي.

وكما أرى فإن الشعب العراقي قد أخطأ التقدير لا بالنسبة لعدم تصويته لهمام حمودي وسواه من الاميين الفاسدين، بل لأن جزءا عظيما منه لا يزال يعتقد أن هناك أملا في العملية السياسية الفاشلة التي لم ينجح كل الدعم الأميركي في انقاذها.

أليس من حق حمودي وهو نكرة جرى تعريفها من خلال رافعتي الاحتلالين، الأميركي والإيراني أن يتهم الشعب العراقي بالفساد؟

الرجل على حق. فالشعب الذي انتخبه وانتخب سواه من الفاسدين هو شعب فاسد بالتأكيد. ولكن فساد ذلك الشعب لم يكن إلا مكيدة دبرها رجال الدين والأحزاب الدينية وهو ما يعرفه همام حمودي وسواه من المعممين الذين أفسدوا عقول وضمائر ذلك الشعب قبل أن تُتاح لهم فرصة القفز على السلطة بفضل الاحتلال الأميركي.

كان من حق همام حمودي الذي منعه الشعب النزيه من البقاء في مجلس النواب أن يقول كلمته في حق الشعب الفاسد الذي جعله سيدا عليه. ولكن ذلك الشعب عاد وصحح خطأه حين عرى بعض الرؤوس من عمائمها ليظهر أصحابها على حقيقتهم مجرد كائنات همجية، غريزية، لا تؤمن بأي مبدأ أخلاقي.