ماذا بعد مقتل.. زعيم جماعة طالبان الباكستانية الملا راديو؟!

قتل الملا راديو بسبب كثرة تصريحاته من إذاعة صوت الوادي في باكستان وهيامه بالمذياع كوسيلة للتهديد بقطع رؤوس كل من يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية واغتيال مسؤولي الدولة والجيش الباكستانيين وكل امرأة باكستانية تشارك في الانتخابات أو تقوم بتطعيم أطفالها.


بقلم: عبد الله المدني

وفرت واشنطن لخزينتها مبلغ خمسة ملايين دولار التي خصصتها لمن يدلي بمعلومات عن الإرهابي المتطرف «الملا فضل الله» قائد حركة «طالبان» باكستان. ففي منتصف يونيو الجاري، شن الأميركيون، بالتنسيق مع حلفائهم الأفغان، غارة على معقل الحركة بولاية «كونار» بشرق أفغانستان، كان من نتائجها مقتل الملا فضل الله الشهير باسم «الملا راديو» بسبب كثرة تصريحاته من إذاعة «صوت الوادي» في باكستان، وهيامه بالمذياع كوسيلة لبث سمومه، ومن صور عنترياته: تهديده بقطع رؤوس كل من يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية وفقاً لمفهومه الضيق، وتهديده باغتيال مسؤولي الدولة والجيش الباكستانيين، وكل امرأة باكستانية تشارك في الانتخابات أو تقوم بتطعيم أطفالها.

بموت هذا المجرم، انطوت صفحة من صفحات الغدر والخسة وسفك الدماء البريئة التي كانت تحركها وتغذيها هواجس جنونية وأفكار طوباوية ونزعات وحشية لدى هذا الأحمق وأتباعه. لكن من غير المتوقع أن يؤدي مقتله إلى جنوح أتباعه للسلام. فتاريخ هذه المنطقة البائسة، يفيد بأن التطرف ولّد على الدوام تطرفاً أكبر وأقبح.

فحينما تسلم المجاهدون السلطة في كابول بعد انتصارهم على الغزاة السوفييت، وُصف هؤلاء بالمتطرفين، وهم كانوا كذلك فعلاً قياساً برموز الحقبة السابقة لهم. لكن سرعان ما برز على الساحة الأفغانية من هم أشرس وأكثر تطرفاً، مثل «الملا محمد عمر» واتباعه في حركة طالبان التي تولت المخابرات العسكرية الباكستانية رعايتها ودعمها وتمكينها من الوصول إلى السلطة في كابول سنة 1996 لتنفيذ أجندات إسلام آباد الإقليمية.

فكان ذلك إيذاناً ببدء حقبة مظلمة مريرة في تاريخ أفغانستان والعالم الإسلامي بأسره بسبب تشويه الطالبانيين للدين الإسلامي بحماقاتهم السياسية وفتاواهم الدينية السقيمة وخروقاتهم الفظيعة لأبسط حقوق الإنسان الأفغاني، ناهيك عن احتضانهم لكل من هو على شاكلتهم من متطرفين ومهووسين بالقتل والتدمير.

وكما هو معروف، استمرت «طالبان» في غيها إلى أن جاءت نهايتها على يد القوات الأميركية التي أخرجتها من الحكم، وشتت شمل قادتها في ضربات جوية عنيفة سنة 2001 على إثر هجمات 11 سبتمبر. ومنذ تلك اللحظة، بدأت محاولات «الطالبانيين» للعودة إلى الحكم عبر عمليات القتل والتدمير والتفجير الوحشية ضد أتباع نظام كابول المدعوم من الغرب. وعلى هامش هذا التطور، انقسمت حركة «طالبان» إلى حركتين (طالبان أفغانستان وطالبان باكستان)، قاسمهما المشترك الهوية العرقية البشتونية، والتشدد والغلو، وسفك دماء الأبرياء.

بدا المشهد أكثر شفقة في باكستان التي أسست الحركة كي تخدمها، فإذا بها تعاني منها ومن حماقات رموزها وسط شماتة خصومها في كابول الذين راحوا يرددون «هذه بضاعتكم ردت إليكم»، ووسط ضغوط حلفائها الغربيين الذين اتهموها بالتراخي لجهة التعامل مع قادة وأنصار طالبان باكستان.

فمسلحو حركة «طالبان» باكستان هم من حاولوا اغتيال الطالبة «ملالا يوسف زاي» في باكستان سنة 2012 بأمر من «الملا فضل الله» الذي تولى قيادة الحركة بعد عام من ذلك، فقط لأنها دافعت عن حق قريناتها في باكستان وأفغانستان في التعليم. وهم المسؤولون عن مذبحة ديسمبر 2014 بمدرسة يديرها الجيش الباكستاني في بيشاور، حيث قتلوا 141 شخصاً، معظمهم من الأطفال وأصابوا عشرات آخرين.

المعروف أن «الملا راديو»، لقي مصرعه بالطريقة نفسها التي قضى بها الأميركيون على ثلاثة من كبار رفاقه (بيت الله محسود وحكيم الله محسود وخالد محسود).