موت بطل

حادثة قتل بطل كمال الأجسام السوداني في قطر تثير عدة قضايا: التمييز ضد الوافدين وولاية أمر النساء وانعدام الأمن.

انتشرت قصة مقتل بطل كمال الأجسام السوداني محمد عبداللطيف على نطاق واسع في الإعلام المحلي والعالمي، ولا يمكن النظر إليها إلا في سياق الثقافة العامة في قطر، فقد بات انتهاك حقوق الإنسان صفة شديدة الالتصاق بقطر وليست أخبارا جديدة. الجديد في هذه الحادثة هو أن القتيل بطل رياضي، ولو كان في دولة أخرى لحظي بالتكريم والحماية، هذا على الرغم من أن كرامة الإنسان يجب أن تكون مقدسة بصرف النظر عن مكانته في المجتمع، ولكن قتل إنسان من هذا النوع ربما يكون فعلا مستنكرا بشدة هذه المرة، ليس لأنه ذا قدر أعلى من غيره، ولكن خسارته كبيرة لبلده وللعرب عموما. بالإضافة إلى أن سبب قتله هو أنه تزوج من فاضلة قطرية دون موافقة أهلها.

إن موافقة الأهل ليست شرطا في الإسلام، فالبكر لا تتزوج إلا بموافقة ولي أمرها، ولكن إذا امتنع ولي الأمر لسبب عنصري، فموافقته ليست ضرورية، لأن هذا يسمى في الشريعة "عضل" أي ظلم. فالفتاة اختارت رجلا مسلما وقادرا على الإنفاق وعربي وذا صيت حسن. فما المانع من تزويجه؟

إن هذه الحادثة أقوى دليل على أن انتهاك قطر لحقوق الإنسان حقيقي وهو ليست حالات فردية، بل انه متغلغل في الثقافة المحلية، وهذا يسمى "عجرفة" ليس لها مبرر وناتجة عن الحماقة والغباء. ورغم أن السمة الغالبة على المجتمع القطري هي التمسك بتعاليم الإسلام، إلا أن هناك تناقضا غبيا بين المظهر والجوهر، فالإسلام يحض على الزواج ويحض على تغريب الزواج ويحض على المساواة بين البشر، ويحرم قتل النفس إلا بالحق، ويمنع عضل النساء، ويحرم الظلم. فأين كل هذه التعاليم من السلوكيات اليومية في المجتمع القطري: العمال يموتون والخدم يهربون والوافد لا يتمتع بأمن وظيفي أو أمن الإقامة وراتبه متدن، ويعيش مع عشرة آخرين في غرفة واحدة، ويتعرض لسوء المعاملة، وأخيرا وتتويجا لهذه الثقافة يقتل الوافد العربي المسلم لأنه تزوج بقطرية.

إن هذه الحادثة تثير عدة قضايا: التمييز ضد الوافدين وولاية أمر النساء وانعدام الأمن.

لا شك أن قطر تضررت من هذه الجريمة وربما يؤثر ذلك على استضافتها لمونديال 2022، ولا يزال النهار في أوله، ولم تثر بعد ضجة إعلامية بحجم هذه الجريمة، وسوف يرتفع صداها يوما بعد يوم، إذ أن أولياء الدم مسؤولون أما الرأي العام  عن الدفاع عن ولدهم وإذا لم يفعلوا، فسوف يؤذي هذا الأمر جميع السودانيين وسوف يوصفوا بشتى الصفات، أقلها الجبن.

هذه ليست الجريمة الأولى، فموت آلاف العمال كان أشد فظاعة وإيلاما، فقد تركوا عائلاتهم دون مصدر للدخل، وماتوا كما تموت الصراصير دون أن يغضب لموتهم أحد، هل شرع الإسلام قتل الفقراء؟ هل قال أن الحياة لبعض الناس دون غيرهم؟ هل حلل استعباد بعضهم لبعض؟ هل أمر بتشغيل العمال تحت الشمس الحارقة؟ هل الثروة النفطية تحلل قهر الآخرين؟

إن نعمة النفط حباها الله للبعض لكي يساعدوا الآخرين، لا لكي يستعبدوهم ويضربوهم ويسيئوا معاملتهم بل ويقتلوهم، فيما يجلس الثري في قصر ويتمتع بأطايب الحياة، ولا يقلق بشأن العامل الذي يدفع حياته ثمنا لقوت عياله. إن الثري الذي يتجبر بالآخرين ليس سوى حيوان لا يفهم أبعاد الثراء الذي جاءه من غير تعب. تلك الأبعاد التي لا يفهمها إلا ذو خلق وتربية ومستوى ثقافي رفيع. فأنت لم تتعب للحصول على ثروة النفط والغاز، بل أن الامتحانات العالمية تثبت غباءك وتدني مستواك العلمي والثقافي.

شكرا للمونديال الذي وضع قطر تحت المجهر، ولولا ذلك، لظل آلاف العمال يعانون من سوء المعاملة دون أن يلتفت إليهم أحد، ولما حركت قطر ساكنا للتحقيق في شكاوى العمال أو تحسين ظروف عملهم أو تعديل القوانين لحمايتهم.