نور الدين عطية يلقي الضوء على العلاجات الشعبية في صعيد مصر

محمد الحمامصي
الممارسات العلاجية الشعبية عملية متداخلة ومتعددة الأنواع منها المنزلية البسيطة التي يمارسها الأفراد بأنفسهم.
العلاج بالفصد أو الحجامة وسيلة علاجية لإخراج الدم الفاسد أو الملوث من جسم الإنسان بغرض الشفاء
للعلاج الروحاني المتمثل في الرقية أو العزيمة مكانة خاصة في ربوع أسوان

تتميز الممارسات العلاجية الشعبية على اختلافها بالعراقة والأصالة وترجع جذورها إلى مصر الفرعونية وهي على الرغم من التقدم الطبي الهائل الذي يشهد العالم لا تزال ممتدة حتى اليوم، حيث وضح ذلك في القراطيس والبرديات الفرعونية التي ذكر فيها أهم أنواع العلاجات التي تمارس من حيث شكلها وأنواعها ومقاديرها وطرق استعمالها والأدوات والخدمات المستخدمة فيها. 
وهذا الكتاب للباحث نور الدين عطية "الطب الشعبي في أسوان" يجوب ميدانيا أرض ومجتمعات محافظة أسوان بجنوب مصر ليضيء أسرار الجماعة الشعبية وأهم ممارساتها العلاجية الشعبية المنزلية والأدوات والخامات المستخدمة من البيئة المحلية في العلاج.
رأى الباحث أن عملية الممارسات العلاجية الشعبية عملية متداخلة ومتعددة الأنواع فمنها المنزلية البسيطة التي يمارسها الأفراد بأنفسهم، وذلك من خلال خبراتهم ومعارفهم الذاتية سواء كانت موروثة أو مكتسبة. كما يوجد ما يعرف بالعلاج الشعبي الروحاني أو الديني السحري الذي يقوم على السحر والرقى والعزائم، وهناك نوع ثالث يسمى الممارسات العلاجية للكسور وهي مرتبطة بعمليات علاج الكسور وعمل الجبائر المختلفة. فضلا عن ما يسمى بالعلاج الشعبي الذي يستخدم فيه ممارسات علاجية مثل التدليك، كاسات الهواء، بعض الجراحات البسيطة كالفصد والحجامة والكي بالنار، بالإضافة إلى نوع خامس يسمى التداوي بالأعشاب الطبيعية الطبية والذي تستخدم فيه الأعشاب والمواد النباتية العطرية وغير العطرية بأنواعها وتركيباتها المختلفة للعلاج.
وضرب الباحث العديد من الأمثلة والنماذج للممارسات المنزلية التي يقوم بممارستها معالجون شعبيون محترفون ومنها علاج تمزق الأطفال والتي غالبا ما تحدث للطفل صغير السن الذي لم يبلغ العام من عمره عندما يسقط على الأرض من بين يدي أخته أو أخيه، فيحدث له التمزق في أي جزء من جسمه الضعيف وهنا تظهر مجموعة من الأعراض عليه أهمها: ارتفاع درجة الحرارة بصورة ملحوظة، وصراخ وبكاء مستمر وإسهال كثير ومستمر واحمرار في العينين والوجه وفقدان الشهية وعدم الرضاعة.
وأضاف أن الأدوات والخامات المستخدمة في علاج التمزق عبارة عن: بيض، دقيق، ردة أو نخالة، زيت طعام، قطن وشاش وصوف غنم. 
أما خطوات العلاج التي أكد البحث الميداني ممارستها في معظم قرى ونجوع وبعض المدن في ربوع المحافظة فهي كالتالي: 
أولا: يقوم المعالج أو المعالجة الشعبية بتدليك جسم الطفل المصاب بزيت الطعام من الأمام والخلف والأجناب جيدا. 
ثانيا: يقوم المعالج بكسر بيضة طازجة ويفصل الزلال عن الصفار ويستعمل الصفار فقط حيث يضعه على الجسم ويحركه عليه من الأمام والخلف والأجناب والرأس والرقبة إلى أن تصادف صفار البيضة الجزء المصاب "الممزق أو المقطوع" فتسيح هذه البيضة. وهنا يتضح للمعالج الجزء المصاب فيحضر كمية مناسبة من الدقيق أو الردة ويضعها على البيضة في مكان الإصابة ويلفها بصوف الغنم أو قطعة قطن طبي ويربطها ربطا محكما. ويظل الحال هكذا بالرباط المحكم على مكان الإصابة ليومين أو ثلاثة ويتم الفك ويشفى الطفل من التمزق.
ومن النماذج التي شرحها الباحث للممارسات المنزلية: العلاج بطريقة الكي بالنار للإنسان والتي تستخدم حتى الآن وذلك عندما تظهر مجموعة من الأعراض أهمها نزلات البرد الشديدة أو الصداع الدائم أو في حالات البصاق الدائم، وكذلك في حالة توقف الرجل نتيجة التهابات عرض النسا. وهناك علاج المواشي بالكي بالنار أيضا وذلك عند ظهور ورم أو خراج في حلق الجمل اسمه "سوار" وهو مرض يظهر في بلعوم الجمل بشكل موسمي سنويا وأعراضه ظهور "تكتكة" عند البلعوم.   
ومن وسائل العلاجية المنزلية العلاج بالفصد أو الحجامة وهي وسيلة علاجية لإخراج الدم الفاسد أو الملوث من جسم الإنسان بغرض الشفاء، وتستخدم عندما تظهر على الإنسان أحد الأعراض التالية: ظهور برد في المعدة يؤدي إلى القيئ المتكرر، الآلام الروماتيزمية، ضغط الدم المرتفع في حالات الشلل النصفي. وينتشر العلاج بالفصد في منطقة توشكى ونصر النوبة وهو ما يسمى هناك "الورتان" أي شق العروق.
ولفت الباحث إلى أن للعلاج الروحاني المتمثل في الرقية أو العزيمة مكانة خاصة في ربوع محافظة أسوان، حيث إن المعتقد الشعبي يتزايد نحو هذا النوع من العلاج لأنه خبيئ في صدور الناس ومرتبط بالحالات النفسية والعصبية والعقائدية لدى الناس. واستعرض بعض أنواع الأمراض التي تعالج روحانيا وكذلك أنواع الوصفات والفوائد والأقسام اللازمة للعلاج من أكثر من مصدر معالج شعبي روحاني والذين يعملون في قرى ومدن محافظة أسوان مثل علاج: أمراض الأعصاب والصرع، الفزع والكوابيس أثناء النوم، أمراض الحمى بأنواعها، الأمراض المرتبطة بالحسد والنظرة، أمراض القرنية عند الأطفال، عملية الربط عند الرجال، كيفية إبطال السحر، كيفية علاج المرأة المصابة بحمى النفاس أو النزيف، علاج المس الشيطاني... إلخ.
وأكد الباحث إن عملية علاج الكسور وعمل الجبائر أسلوب علاجي شعبي معروف منذ القدم وممتد منذ أيام قدماء المصريين، وذلك كما ظهر في الرسومات على بعض جدران المعابد وفي بعض البرديات التي تم العثور عليها، وتم التعرف على أهم وأفضل الطرق لعمل الجبائر والمواد المستخدمة فيها مثل الأخشاب والقماش والمواد الغروية، حيث يتم استخراج الغراء من العظام والجلود والغضاريف، وذلك بغليها في الماء حتى تتركز، ثم يصب السائل اللزج في قوالب حتى يتجمد ويتم استخدامه بعد ذلك. 
ومازلت تستخدم الجبائر حتى الآن كأسلوب علاجي للكسور والالتواءات والتمزقات عند المرضى، على الرغم من توافر أطباء العظام الرسميين والمستشفيات العامة والعيدات الخاصة والإمكانات الرسمية. وطريقة عمل الجبائر مشهورة ومعروفة لدى قرى ونجوع محافظ أسوان ولاسيما قرى الكلح غرب والمرينات والرمادي بمركز إدفوظ، نصر النوبة وكلابشه بمركز نصر النوبة، ومنطقة قرى ومدينة دراو، ومنطقة البشارية بمدينة أسوان وبعض القرى المجاورة لها.
وأفرد الباحث فصلا كاملا للعلاج بالأعشاب والنباتات الطبية مستعرضا لأبرزها وطرق استخدامها وفوائدها العلاجية، ليخلص في نهاية دراسته الميدانية إلى أن أكثر أنواع العلاج الشعبي انتشارا كان التداوي بالأعشاب حيث الأعشاب المتوفرة في المنطقة خصوصا في الصحراء الشرقية مثل: الحلف بر، الحرجل، بذرة الخلة، الشيح، العشر، الحنظل، الدمسيسة.. إلخ. ثم العلاج الروحاني أو السحري وهذا يظهر جليا في مجتمع الدراسة في منطقة إدفو ومنطقة دراو والسيل الريفي والبشارية بمدينة أسوان، وأكثر رواد هذا العلاج هم السيدات والفتيات ثم بعد ذلك الشباب والرجال. ثم الممارسات العلاجية المنزلية التي يمارسها الناس بأنفسهم أو يمارسها بعض من لديهم الخبرة في هذا المجال، وهذا يتضح في التدليك والتمريس وكذلك تمزق الأطفال وتسويك الأسنان والقطع.
ورأى الباحث أن هناك تكامل واضحا في بعض أنواع الممارسة العلاجية الشعبية والطب الرسمي ويظهر هذا التكامل في الدور العلاجي الشعبي الذي يمارسه "المجبر" أثناء علاج الكسور وعمل الجبائر، فلو كانت هذه الكسور في حالة حوادث وصاحبها نزيف أو كدمات هنا يقوم "المجبر" بتحويل المصاب إلى الطبيب الرسمي المختص لمعالجة الكدمات أو النزيف أولا ويستكمل المعالج الشعبي عمل الجبيرة وخلافه من علاج.
    
 

العلاج بالطب الشعبي
ينتشر العلاج بالفصد في منطقة توشكى ونصر النوبة