والمتذمرون والمتذمرات!


التذمر ليس صفة محمودة في الإنسان ولا تعبر عن ثقته بنفسه، وهذا لا يعني قبول الأمور على عواهنها، لكن لا يمكن تغيير الطقس كي تعبر عن تذمرك منه.

جلس صديقي الإنكليزي بهدوئه المعتاد، إلا أن ملامح وجهه تشي بالبحث عن إجابة ما، وبالفعل بادرني بالسؤال، فهو بحاجة لمن يشاركه التفسير لما حدث مع زوجته هذا الأسبوع.

قال لقد قضت زوجتي أكثر من نصف ساعة تعبّر عن تذمرها واستيائها بعد أن قضت أكثر من الوقت المعتاد في التسوق، لأن المتجر الكبير القريب من منزلنا قد غير أماكن توزيع المواد، فرواق الفواكه صار للبقوليات ورواق الخبز صار للحليب والأجبان، بينما أحتفظ رواق المشروبات بمكانه المعتاد…، ومثل هذا الأمر أثار استياء زوجتي لأنها برمجت سير خطاها في التسوق منذ سنوات على ما اعتادت عليه، فكان عليها هذه المرة أن تقضي بضع دقائق مضافة في التسوق.

تذمرها من إدارة المتجر انتقل إلى المنزل وبدأت تعبّر لي عن انزعاجها الشديد، وبقيت تلوك القصة، وأنا لا أملك إلا الاستماع والتعاطف معها خشية أن أبدي رأيا يبسط الموضوع وأثير المزيد من غضبها.

فهل ترى، وجّه سؤاله لي هذه المرة، أن الأمر يستحق كل هذا التذمر من زوجتي، أم أنه يعود إلى بيولوجية المرأة المعروفة بالتذمر وعدم تقبّل الأمور على طبيعتها.

صديقي لم يتذمر بقدر ما أنه خسر وقتا لا معنى له في الاستماع إلى تذمر زوجته في قضية يرى أنها لا تستحق كل هذا الاهتمام، إذا كنا نتذمر لأننا سنقضي دقائق مضافة في التسوق، ماذا سيفعل الملايين في بلدان الشمس الساطعة ودرجة الحرارة ترتفع إلى خمسين مئوية والحكومات الفاسدة عاجزة عن توفير الطاقة الكهربائية. ذلك مكان التذمر الذي يرفع من منسوب الغضب والاستياء.

في كل الأحوال التذمر ليس صفة محمودة في الإنسان ولا تعبر عن ثقته بنفسه، وهذا لا يعني قبول الأمور على عواهنها، لكن لا يمكن تغيير الطقس كي تعبر عن تذمرك منه، الأفضل أن تتكيف معه بإيجاد الحلول المناسبة، ولا يمكن أن ترغم سائق الحافلة أن يأتي بالوقت المضبوط، فعليك أن تحافظ على رباطة الجأش منتظرا قدوم الحافلة، التذمر بين الآخرين سيرسم عنك صورة الضعيف ولا يأتي بالحافلة قبل وقتها.

ماذا عن المتذمرين من أعمالهم! أنها قمة الضعف والتعبير عن الهوان والوهن وركاكة التفكير، عمل الإنسان معبر عنه شخصيته فما بالك بمن يتأفف من عمله.

لا يوجد علاج طبي للمتذمرين، إلا برفع طبيعة وعي المتذمر، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال الاستكانة والخضوع، لكن من يرفع درجة التذمر بوجه أقرب الناس إليه لأن السماء لم تتوقف عن المطر، هو لا يختلف عن تذمر زوجة صديقي المعبرة بامتياز عن فكرة البطر!