قصة «دييغو غارسيا»

تقلع قاذفات القنابل الامريكية العملاقة طراز بي-52 التي حطمت بفعالية تامة معنويات حركة طالبان الحاكمة سابقا في أفغانستان من مستعمرة بريطانية، هي عبارة عن مجموعة من الجزر الصغيرة الواقعة وسط المحيط الهندي.
وتعرف إحدى هذه الجزر باسم دييغو غارسيا التي تعد بالضبط وكأنها حاملة طائرات ثابتة ومقاومة للطوربيدات.
وثمة قصة وراء هذه الجزيرة.
كانت دييغو غارسيا، وهي مجموعة من الجزر الصخرية، جزء مما كان يسمى أحيانا بأراضي المحيط البريطاني.
وضمتها بريطانيا إليها كمستعمرة في الستينات ثم وبدون أي تفسير رسمي قام البرلمان البريطاني فجأة بنقل السيطرة البريطانية على دييغو غارسيا إلى الولايات المتحدة في عام ،1965 وذلك بعقد إيجار لمدة خمسين عاما.
أما سكان الجزيرة الذين كان يبلغ عددهم آنذاك حوالي ألفي نسمة، وكان أغلبهم من صيادي الاسماك وعائلاتهم، فقد تم نقلهم على عجل إلى أماكن أخرى حيث جرى توطينهم بصورة عشوائية، ولاسيما في موريشيوس أو سيشيل.
وكما كتب المؤلف البريطاني سيمون وينتشيستر، فإن "المسئولين البريطانيين لم يجهدوا أنفسهم عناء استشارة أهالي الجزيرة قبل نقلهم بهذه الصورة، ولم يخطروهم بما سيحدث لهم أو حتى إبلاغ أي شخص آخر بما يعتزمون فعله. فقط مضى الامريكيون والبريطانيون قدما في خططهما واقتلعوا مجتمعا بأسره من جذوره".
وبينما بدأت الخطة الامريكية-البريطانية في تنفيذ عملية نقل سكان جزيرة دييغو غارسيا على متن سفن بعيدا عنها، كانت القوات المسلحة الامريكية قد شرعت في نصب مجموعة غريبة الطرز من الهوائيات وأطباق التقاط إشارات الاقمار الصناعية داخل الجزيرة.
وطبقا لما أورده جيمس بامفورد في كتابه المعنون باسم "جهاز الاسرار"، وهو يجسد تاريخ الوكالة الامريكية للامن القومي فائق السرية، أصبحت تلك الجزر المرجانية مركزا للتنصت.
وكان الهدف من ذلك هو التنصت على الاتصالات والمواقع العسكرية الخاصة بالاتحاد السوفيتي السابق.
لكن مع انتهاء الحرب البارد، اصبح التنصت على الاتصالات الروسية في الوقت الراهن أقل أهمية في قيمته بدرجة كبيرة للغاية مقارنة بأهمية إقامة قاعدة متقدمة للطائرات الحربية الامريكية العاملة في الشرق الاوسط أو جنوب آسيا.
فقد تم توسيع وتمديد مدرجات الطائرات القائمة لهبوط وإقلاع قاذفات القنابل بي-52 التي تقوم بدك مواقع طالبان في أفغانستان بتأثير مدمر للغاية.
واعترف أسرى طالبان في مقابلات مع مراسلين صحفيين غربيين بأن غارات القاذفات بي-52 بصفة خاصة هي التي حطمت معنوياتهم.
وتردد أن أولئك الذين لم يقتلوا في القصف تحطموا نفسيا من جراء دقة قنابل هذه القاذفات العملاقة وقوتها التدميرية، وذلك عند إصابة أهدافها، وهي تطير على ارتفاعات عالية للغاية يستحيل على أي قوات برية رصدها أو حتى سماع أزيزها.
كان الهدف الاساسي من إنتاج قاذفات القنابل بي-52 التي يعود تاريخها إلى 50 عاما مضت، أي أنها أكبر عمرا حاليا من الطيارين الذين يقومون بقيادها، هو نقل أسلحة نووية إلى أجواء الاتحاد السوفيتي سابقا، وهي قضية لم تعد ضرورية على الاطلاق الان.
ثم اضطر المسئولون الامريكيون إلى استغلالها في قصف الاراضي الوعرة في هو تشي منه في فيتنام، لكن أدى افتقادها إلى الدقة في إصابة أهدافها آنذاك إلى ضياع فعاليتها مقارنة بالقاذفات المقاتلة التي كان في وسعها التحليق على ارتفاعات منخفضة، وهي قاذفات استخدمتها القوات الامريكية أيضا في جنوب شرق آسيا.
لكن الوضع الان تغير، فبعد أن تم توفير فرق برية لرصد الاهداف وتزويدها بنظام عالمي يحدد المواقع والاهداف بدقة في مساحة عشرة أمتار، فإن قاذفات القنابل بي-52 المتمركزة في قاعدة جزيرة دييغو غارسيا أصبحت تلعب دورا مهما في أفغانستان بآسيا الوسطى.
وكما قال مسئول بارز بوزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، "هذه القاذفات توجه إشارة إلى من يهمه الامر مفادها إننا جادون".