تونس.. المساواة في الإرث موعد مؤجل

التمييز قائم بحجة قدسية النص الديني

لم ترى المساواة في الإرث بين النساء والرجال في تونس النور في عيد المرأة في الثامن من مارس/آذار بعكس ما انتظره كثيرون، لكن مسيرة تنادي بتلك المساواة ستخرج في العاشر من مارس/آذار كنوع من من الضغط من قبل المجتمع المدني حتى لا يتمّ وأد المشروع الطموح.

تأتي المسيرة تلبية لنداء “التحالف الوطني من أجل المساواة في الميراث بتونس”، الذي تأسس قبل فترة وجيزة ليضم العديد من المنظمات الحقوقية والجمعيات المدافعة عن قضايا المرأة.

إن المساواة في الإرث في تونس ليست هدفًا بحد ذاته، بل هي جزئية في مسار المساواة بين الجنسين المنصوص عليها في الدستور، وتأجيل البت فيها كان نتيجة حتمية لتأجيل موعد تقديم تقرير “الحريات الفردية والمساواة “، إلى الرئيس الباجي قائد السبسي إلى ما بعد الانتخابات البلدية المقررة في مايو القادم.

يتضمن التقرير الذي أنجزته لجنة “الحريات الفردية والمساواة”، التي أمر بتشكيلها رئيس الجمهورية العام الماضي، أكثر من عشرين فصلًا من بينها مجلة الحريات الفردية، التي تتضمن اقتراحات لتعديل فصول قانونية و حذف أخرى بهدف توسيع الحريات الفردية واقتراح كيفية حمايتها دستوريًا واجتماعيًّا.

تلك المجلة التي أثارت، قبل مولدها، ضجة في الداخل والخارج ، وطريقها محفوف بألغام الاستحقاقات السياسية وحسابات المحاصصة الحزبية.تأجيل البت في موضوع المساواة في الميراث بالذات إلى ما بعد الانتخابات البلدية كان “حرصا على النأي بتقرير المساواة عن التجاذبات الحزبية والسياسية” مثلما قالت اللجنة.

كان يمكن لعيد المرأة هذا العام أن يحمل الكثير لنساء تونس، إذا ما وثقنا بوعود الرئيس، وبعمل لجنة الحريات الفردية التي تترأسها النائب في البرلمان بشرى بلحاج حميدة.

كان يمكن لعيد هذا العام أن يفسح المجال أمام تحقيق عدة إصلاحات، كالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وحق المرأة في إسناد لقبها العائلي إلى أبنائها وإلغاء المهر من شروط عقد الزواج. لكن رغم هذا التأجيل، بدأت حقوق أخرى للنساء في تونس ترى النور، رغم معارضة كثيرين، من بينها السماح للمرأة التونسية بالزواج من غير المسلم.

تصطدم جرأة تغيير التشريعات في تونس، رغم علوية الدستور الذي ينص على المساواة بين الرجل والمرأة، بحائط “النص الديني” الذي يتم التلويح به في كل مناسبة كحجة للاستمرار في الوضع الراهن وعدم المساس بالتراث الذي أسس لعلوية الذكر على الأنثى ولا سيما في مسألة الميراث.

قضية الميراث بالذات تبدو أحد أكبر “التابوهات” التي أجلت تونس وعلى مدى عقود الخوض فيها، رغم جرأتها في التغيير في مجال حقوق المرأة.حتى الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي تجرأ على منع تعدد الزوجات، لم يجرؤ على إقرار المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد ستة عقود، فها هم الساسة ومستشاروهم وكذلك الإصلاحيون يعقدون العزم على تأجيل الموضوع بحجة الانتخابات رغم معرفتهم مسبقًا بموعدها. لكن رغم التأجيل والجدل، لا يمكننا إنكار تقدم قطار الإصلاحات الاجتماعية في تونس على قاطرات دول المنطقة، من حيث التشريعات لفائدة النساء والقوانين الرادعة للعنف ضد المرأة وتجريم التمييز في الأجور.

فخلال ست عقود، خرجت تونس من دائرة اضطهاد النساء إلى فضاء أكثر حرية واحترامًا لهن. من يصدق أن تونس التي كانت قبل الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، تسجن نساءها في ” دار جواد” كلما خرجت امرأة أو فتاة عن سلطة ذكور أسرتها، هي اليوم تصارع لتمنح النساء المساواة في الإرث وحق التزوج من رجل غير مسلم؟

” دار جواد”، الفظيعة التي كان يختارها القاضي الشرعي في تونس لمعاقبة كل امرأة لم تطع زوجها أو أباها أو أخاها أو تجرؤ على كسر العادات الاجتماعية صارت من الماضي، لكن دولًا إسلامية أخرى لا تزال تستخدم شبيهًا لها لمعاقبة الفتيات.

مؤسسات عقابية في مبان بدهاليز مظلمة تُجر إليها النساء ليمضين أشهر أو سنوات كخادمات يعاملن بقسوة وإذلال حتى يصبحن “مطيعات” لذكور الأسرة،مؤسسات كان يمكنها أن تستمر لو ما توفرت الإرادة السياسية لغلقها متحدية سلطة “القاضي الشرعي”.

لكن النظام البطريركي الأبوي ما زال قائمًا في الدول العربية، وهو ذاته يدافع بشراسة اليوم في تونس, عن التمييز في الميراث بحجة قدسية النص الديني متحديًا مدنية الدولة، ومبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور.

مرة أخرى، يتم استدعاء التراث الديني في دولة مدنية ليقف في مواجهة منظومة حقوق الإنسان، وهذه المواجهة خطيرة وغير متكافئة، ستدفع ثمنها لا النساء فقط بل المجتمعات بأسرها.

وجدان بو عبد الله

كاتبة تونسية