كنوز أثرية تضيء قرطاج

حضارة ضاربة في القدم

تونس - تزخر مدينة قرطاج بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة بمواقع أثرية ومعالم تاريخية عديدة تعود إلى ما قبل الميلاد.

وتضم المدينة 14 موقعاً متنوعا ظلت جميعها راسخة في أذهان التونسيين عبر العصور، بداية من قرطاج البوينة ثم قرطاج تحت الاحتلال الروماني.

وتستمد المدينة جمالها من عبق التاريخ وموقعها الجغرافي على ربوة ارتفاعها 57 متراً ويحدها البحر الأبيض المتوسط شرقاً.

ومنذ العام 1985 صنفت اليونيسكو موقع قرطاج الأثري ضمن قائمة التراث العالمي.

وموقع هضبة بيرصا كان قلب المدينة وله بعد استراتجي، فقد مثل مركز سيادة الإمبراطورية القرطاجية.

ويوجد في محيطه ساحة كبرى وحي سكني لسادة القوم وأماكن تجارية ومكتبة كبرى ترافقها قاعة مطالعة ومدارس للفنون وقاعات لتدريس الفلسفة والرياضيات.

وكانت المساكن القرطاجية الموجودة على هضبة بيرصا شبيهة بالمنازل الرائجة في تلك الحقبة الزمنية مع وجود فوارق طفيفة بينها.

إلا أن الحفريات لم تكشف عن أية مدارج وقد يعود ذلك لكونها مصنوعة من الخشب، ما يرجح أن النيران أتت عليها تماما، بحسب المؤرخ التونسي سمير عونالله.

وظلت هذه الهضبة شامخة وشاهدة على التاريخ إلى أن أصبحت الآن مجمعاً أثرياً يوجد فيه عدة متاحف ومباني أثرية ترجع للعصور الرومانية والقرطاجية والبيزنطية أيضا.

وافاد المؤرخ التونسي سمير عونالله إن الروايات التاريخية تقول إن قرطاج قد تأسست سنة 814 ق م إلا أن التاريخ الحقيقي لتأسيسها غير محدد بدقة.

وأكد عونالله، في حديث لإعلاميين، أنه بحسب الدراسات يقدر تأسيسها قبل 40 أو 50 سنة من هذا التاريخ.

وجاء حديث المؤرخ التونسي، خلال جولة بالمواقع الأثرية، نظمتها \"وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية\" (حكومية) للتعريف بقرطاج.

حمامات أنطونيوس

أما حمامات أنطونيوس فهي توجد على حافة البحر وبالقرب من متحف بيرصا وكانت أكبر حمامات إفريقيا الرومانية ومساحتها 20 ألف متر مربع.

وتم تشييدها في عهد الإمبراطور الروماني أنطونيوس (86 ميلادياً – 161 ميلادياً).

وتتكوّن هذه الحمامات من طابقين، الطابق السفلي كان مخصصا لتسخين الماء ويسهر على خدمته العبيد في حين كان الطابق الأول مخصصا للأسياد.

وهذه الحمامات كانت في الأول مختلطة نساء ورجالاً، إلا أنه تمّ تقسيمها فيما بعد.

وتتكون حمامات أنطونيوس من ساحتين كبيرتين، وفي وسطهما قاعة باردة واخرى معتدلة اما القاعة الثالثة فتتميز بحرارتها الكبيرة.

الا أنه تم تدميرها، وبقيت لمدة طويلة وهي مغمورة تحت التراب ولم يتم الكشف عنها إلا بعد سنة 1945، و لم يتبق حاليا منها إلّا الطّابق السفلي الذي يقع تحت الأرض.

صهاريج \"المعلقة\"

وكانت مدينة قرطاج تشكو من قلة الماء العذب باعتبارها تقع على البحر وتربتها مالحة، فقرر الرومان آنذاك تشييد قناة المياه العلوية والتي تسمى بالصهاريج المعلقة.

وأوضح سمير عونالله أن هذه الصهاريج كانت معدة لتخزين المياه المتأتية من مدينة زغوان ( نجو 70 كلم جنوب العاصمة تونس) المتسمة بعذوبة مياهها .

وتابع أن هذه الصهاريج كانت تمرر إلى هضبة بيرصا ومسرح قرطاج الاثري وحمامات انطونيوس ثم السيرك والملعب الرياضي الذي لم يتم العثور عليه حتى اليوم.

معبد \"التوفات\"

وغير بعيد عن حمامات أنطونيوس، يوجد معبد \"التوفاة\"، والذي يعد مدفنا للأطفال الصغار القرطاجيين الذين كانوا يقدمون من قبل أسرهم كقرابين للإله بعل حمون، إله المطر والنبات، والآلهة تانيت آلهة الخصب والحياة.

واشار المؤرخ سمير عونالله إن الحفريات أثبتت أن الاطفال الصغار أعمارهم ما بين الشهر والخمس سنوات، مؤكداً أن اسباب دفنهم غير واضحة المعالم.

كما يمثل معبد \"التوفات\" معبداً للآلهة تانيت، والإله بعل حمون، وهو أقدم مكان مخصص بالعبادة والطقوس الدينية بقرطاج، وتقديم القرابين البشرية، وفق المؤرخ.

وعلى ضفاف البحر، شيد أهالي قرطاج البونية منذ القرن الرابع قبل الميلاد موانئ بحرية في مرفأ حربي وآخر تجاري.

وأكد عونالله، أن الموانئ تميزت بموقعها الاستراتيجي التجاري والحربي، إلا أن الرومان استطاعوا غزو قرطاج البونية والدخول إليها.

وأشار إلى أن القتال بين روما وقرطاج دام لعامين كاملين ونتج عن ذلك انتصار روما، وبعد تدمير قرطاج قامت روما بترميم الموانئ البونية.

المسرح الأثري بقرطاج

وعلى هضبة أوديون، شيد الرومان مسرح قرطاج في أوائل القرن الأول بعد الميلاد نظراً لولع أهالي المدينة بالمسرح والفنون والموسيقى وكان يسع 10 آلاف متفرج.

وساهم هذا المسرح كثيرا في تثقيف الأهالي حيث كانوا لا يفوتون أي عرض لمتابعته.

ويتكون المسرح من المدارج الأمامية التي كان يجلس عليها السادة، في حين كانت المدارج الموجودة في الوسط للطبقات الوسطى أما المدارج العليا فكانت للعبيد.

وكانت المصارعة الوحشية بين السجناء والحيوانات وسيلة للترفيه وللاستمتاع بالنسبة إلى الرومان.

وفضاء المسرح المزدوج بمدينة قرطاج شاهد على ذلك، فقد كان مصير كل شخص يخرج عن سياسة دولته العقاب بإلقائه للأسود أو الكلاب المسعورة.

ولم يبق من المسرح إلا القليل وهي الحلبة ومداخل الحيوانات والساحة التي يجلس بها الحاكم.

ويرى المؤرخ سمير عونالله أن الدولة لا تستطيع حماية المعالم التاريخية في البلاد من دون توعية المواطن بقيمة الثروة التراثية ومساندته الدولة في المحافظة على الدرر الاثرية.

ويتمتع الطلبة والأطفال بالدخول إلى المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في تونس مجانا منذ سنة 2005.