المخابرات الأميركية ترسم معالم إستراتيجية ترامب

المخابرات الأميركية بقيت منذ سنوات طوال، هي من تدير لعبة توزيع الأدوار في البيت الأبيض، وهي من ترسم خطط السياسة الاميركية وخارطة انطلاقتها، وتضع استراتيجيات الهيمنة والقدرات الخارقة للولايات المتحدة، وهي تبقى صاحبة السطوة والنفوذ وفوق كل الأجهزة الأميركية قوة ومكانة، وتبقى مركز الثقل الذي ليس بمقدور أي رئيس أميركي تجاهل دورها في رسم استراتيجيات التحرك الأميركي على نطاق كوني.

تحديات كثيرة كانت تواجه ادارة ترامب أبرزها الملف النووي الايراني وأطماع طهران في المنطقة، والملف النووي الكوري الشمالي والقمة المرتقبة بينهما، والعلاقة مع دول أوروبا، والموقف من إسرائيل وقضية القدس ونقل السفارة الاميركية، والعلاقات مع روسيا والعمل على وقف التدخل الروسي في الشأن الأمركي واختراقات موسكو لواشنطن، والتفوق الاميركي والمحافظة على سياسات الهيمنة، وانعكاسات تلك الاحداث الهامة على مستقبل الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.

ومن هذا المنطلق نقرأ الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون وتعيين مدير المخابرات الأميركية السي آي إيه مايك بومبيو مكانه، وقرار ترامب اللاحق بتعيين جينا هاسبل نائبة رئيس المخابرات الاميركية على رأس وكالة الاستخبارات المركزية لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب، وهي أكبر ضابطة مخابرات أميركية عملت لسنوات طوال في "السي آي أي" وحصلت على اكبر الجوائز الرئاسية خلال فترة عملها داخل اخطر أجهزة الأمن القومي الأميركي حساسية ومكانة وادارت عملها باتقان وفطنة كبيرتين، ولهذا حظيت باهتمام ترامب الذي عينها رئيسة لأكبر جهاز أمني وهو السي آي أي!

لقد كتب ترامب في تغريدته "مايك بومبيو مدير سي آي إيه سيصبح وزير خارجيتنا الجديد وسيقوم بعمل رائع." ووجه الشكر لتيلرسون على خدماته، مشيرا الى ان جينا هاسبل ستصبح المديرة الجديدة للسي آي إيه وهي من تنفذ طموحات ترامب التي تدور في رٍاه منذ ان تقلد سدة الرئاسة في البيت الأبيض.

وقد اشاد ترامب بوزير الخارجية الاميركي الجديد وقال عنه: "استحق بومبيو عندما كان مدير سي آي إيه ثناء الحزبين على تعزيزه جمع المعلومات الاستخباراتية وتطويره قدراتنا الهجومية والدفاعية وإقامته علاقات وثيقة مع حلفائنا في أوساط الاستخبارات".

وأعلن مسؤول أميركي كبير أن ترامب أراد تغيير فريقه قبل المفاوضات المرتقبة مع كوريا الشمالية، وذلك لتفسير إقالته تيلرسون وتعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية مكانه.

ويتولى مايك بومبيو مهامه الجديدة بعد أيام فقط على الإعلان المفاجئ عن قمة بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لم يحدد موعدها ولا مكان انعقادها.

وأشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى خلافات مع وزير خارجيته ريكس تيلرسون وذلك لتبرير إقالته متحدثا خصوصا عن الملف النووي الإيراني. وأوضح ترامب "كنا متفقين بشكل جيد لكن اختلفنا حول بعض الأمور"، مضيفا "بالنسبة إلى الاتفاق (النووي الإيراني) أعتقد أنه رهيب بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولا وأردت إما إلغاءه أو القيام بأمر ما بينما كان موقفه مختلفا بعض الشيء، ولذلك لم نتفق في مواقفنا".

ودعا ترامب إلى تثبيت تعيين بومبيو بسرعة فيما تتجه إدارته إلى المحادثات مع كوريا الشمالية. وبعد الإعلان عن القمة، اختصر تيلرسون جولته الأفريقية قائلا إنه "ليس بخير" وعاد إلى واشنطن. وقال ترامب "لقد تم إنجاز الكثير في الأشهرالـ 14الماضية وأنا أتمنى له ولعائلته التوفيق".

وقرر ترامب طرد أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية من وظيفته الثلاثاء بسبب تصريحاته حول إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون التي بدت متعارضة مع رواية البيت الأبيض. وصرح وكيل وزارة الخارجية المقال ستيف غولدشتاين "لقد كان عملي في الوزارة أعظم شرف في حياتي، وأنا ممتن للرئيس ولوزير الخارجية على هذه الفرصة، وأتطلع للحصول على فترة راحة".

وكان غولدشتاين أفاد أن تيلرسون لم يتحدث إلى ترامب قبل إقالته كما أنه "ليس على علم" بسبب هذا القرار. وقال في سلسلة تغريدات "الوزير لم يتحدث إلى الرئيس صباح اليوم ولا يعلم سبب إقالته، إلا أنه ممتن لحصوله على فرصة للخدمة، ولا يزال يؤمن بقوة بأن الخدمة العامة هي أمر نبيل لا يندم عليه"، مضيفا "نتمنى للوزير المعين مايك بومبيو كل التوفيق".

وقرارات ترامب الاخيرة تتفق مع استراتيجيته بأن يكون هناك تغيير دراماتيكي في السياسة الخارجية الأميركية يعيد للولايات المتحدة فرض هيمنتها على مقدرات العالم، ويضع حدا للتوسع الايراني في المنطقة، وهو يريد النظر في اعادة تقييم هذا الملف وعدم المضي به وايجاد خطط لالغائه وتصعيد لهجة العداء مع ايران. من ثم جاء الملف الكوري الشمالي والقمة المرتقبة بينهما لتلقي بظلالها على تلك الازمة الحادة التي يريد الرئيس الاميركي من خلالها تطويع قدرات بيونغ يانغ لكي لا تذهب بعيدا في ان تبقى تشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي ومصالح بلادها في منطقة جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي، اضافة الى مراقبة نوايا روسيا واختراقها للداخل الاميركي والعلاقة مع اسرائيل وقضية نقل السفارة الاميركية الى القدس على انها تحديات ينبغي على ادارة ترامب إظهار مزيد من الحزم ازاء تلك الملفات، بإظهار مزيد من الحزم ازاء تلك الملفات، بما يتفق ومنهج فرض سياسة الأمر الواقع، لكي تبقى الولايات المتحدة القوة الوحيدة المهيمنة على مقدرات العالم.