من أجل حرب لن تنتهي في سوريا

كانت الحرب في سوريا على وشك أن تسدل أستارها حين قرر الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون أن موعد نهاية ذلك الفيلم المأساوي الطويل لم يحن بعد.

الحماسة التي أظهرها ترامب وماكرون وماي لتسويغ ما جرى لا تعني أبدا أن هناك أدلة ملموسة قد وضعت بين أيديهم تدين الحكومة السورية باستعمال السلاح الكيماوي في دوما، كما ظهر في الفيلم الذي انتجته جماعة جيش الإسلام التي هزمت هناك.

كان جورج بوش الابن وتوني بلير متحمسين أيضا للعدوان على العراق عام 2003 ومن ثم غزوه واحتلاله وتحطيم دولته وجيشه وإذلال شعبه ونهب ثرواته وتأثيث مستقبله بالألغام، وكانت أسلحة الدمار الشامل التي قيل إن العراق يملكها هي الذريعة يومها. ولقد تبين بعد سنوات أنهما كانا يكذبان. فقد كانا يعرفان أن ذلك الملف كان مزيفا من ألفه إلى يائه. وقد اعترفا بذلك من غير أن يتأسفا على ما فعلا.

اليوم يواجه العالم الذي انتزعت منه القدرة على التفكير والحس السليمين المشهد نفسه مكررا.

لم يكن لدى قادة الدول العظمى الثلاث سوى ذلك الفيلم اليتيم دليلا.

غير أن اللافت في الأمر أن الرئيس الفرنسي الذي عبر قبل أسابيع عن تحول في الموقف الفرنسي من خلال استبعاده لشرط تخلي الأسد عن السلطة كان أكثر المتحمسين لتوجيه ضربة لسوريا.

تلك الحماسة تردها الأخبار المعلنة إلى إطلاع الرئيس الفرنسي على تقرير أعدته المخابرات الفرنسية عن المسألة. وإذا ما عدنا إلى تصريح لافت أدلت به الخارجية الروسية فإن مخابرات غربية هي التي قامت بتلفيق حادثة الكيماوي في دوما. كانت المخابرات الفرنسية هي الجهة المقصودة.

وهكذا يمكنني القول أن التقرير الذي وضع بين يدي لم يكن يتضمن أدلة على أن الحكومة السورية قد استعملت السلاح الكيماوي في دوما بل كان يشير إلى حقيقة دور المخابرات الفرنسية في تلك المسألة.

باستثناء تصريحات القادة الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين فإن كل المعطيات تؤكد أن ما جرى من عدوان على سوريا لا صلة له بجريمة الكيماوي المفترضة بل أن هناك أهدافا أخرى يشعر الغرب أن الوقت سيخذله إن تهاون في التدخل في سوريا.

كانت هزيمة الإسلامويين في الغوطة الشرقية ضربة قاصمة للمشروع الغربي في سوريا. كما أن النصر الذي ستعلنه الحكومة السورية على الجماعات المسلحة هو نصر لروسيا وتعزيز لنفوذها في المنطقة.

في كلا الحالين فإن الغرب يشعر بهزيمته.

لقد شكلت الجماعات الإسلاموية المسلحة مصدر أمل في استمرار الحرب في سوريا وهو ما يمكن أن يعطل المشروع الروسي في المنطقة. اما وقد استسلمت جماعة جيش الإسلام في الموقع المتمرد الأخير فقد كان ذلك سببا مقنعا لكي يُجن الغرب.

لو سكت الغرب في مواجهة تلك الهزيمة لكان ذلك السكوت اعترافا علنيا بهزيمته في سوريا. وهو ما سعى إلى تجاوزه من خلال ضربة، انطوت على الكثير من لغة العدوان من غير أن تشير إلى مفردة واحدة من مفردات السلام والحث على استئناف المفاوضات كما يزعم البعض.

قوضت الضربة الثلاثية فرص السلام في بلد أنهكته الحرب. لذلك لا أعتقد أن الحكومة السورية ومن ورائها حلفاؤها ستكون مستعدة لحوار سياسي مع معارضة وضعت نفسها في خدمة مشروع لا يمت بصلة إلى تطلعات السوريين في حياة حرة وكريمة يكللها السلم الأهلي.

ما لم يفهمه السوريون المعارضون أن الغرب حين يدافع عن مصالحه فإنه لا يفكر بمصالح الشعب السوري ولا حتى ببرامج المعارضة.

لقد وضع العدوان الثلاثي سوريا في مكان لن تغادره في وقت قريب. وهو مكان لا يساعد على التقريب بين وجهات النظر السياسية المختلفة بين الحكومة والمعارضة بقدر ما شكل حاجزا لن يتمكن أحد من اجتيازه.

الحرب في سوريا لن تنتهي في وقت قريب. ذلك خبر سار بالنسبة للغرب. غير أن المعارضة التي أظهرت حماسة لافتة لضرب سوريا لن تحصل على ما ينفعها. ذلك أن أحدا من أطراف الصراع لم يضعها في حسابه.

ما خسرته المعارضة السورية يوم استولى الإسلاميون على الثورة لا يمكن أن يعوضه هجوم عدواني لا يستند إلى شرعية دولية أو رغبة في السلام.