سياسي يمني يكتب عن المدن التي نسكنها وتسكننا

ذكريات عن المدن

في كتاب \"مدن نسكنها ومدن تسكننا\"، يقدم السياسي اليمني سالم صالح محمد، تجربة سيرية تتضمن ذكرياته مع المدن العربية والعالمية ومع أهم الشخصيات التي تعرف إليها خلال أسفاره، ويتضح أن تلك الأماكن قد تركت أثرا في وجدانه فجعلته يدون حكاياته معها، خاصة وأن عمله السياسي أتاح له التنقل والسفر بين العديد من المدن سواء تلك الشهيرة عالميا، أو مدن أخرى لا يأتي على البال زيارتها سوى لرحالة عتيد، أو بدواعي العمل الدبلوماسي أو السياسي أو غيره.

والمؤلف يوضح أن فكرة هذا الكتاب نابعة من تنقله الدائم بين مدن الدنيا، وتعرُّفه فيها إلى الكثير من الشخصيات، خاصة خلال عمله في الفترة من 1973 حتى 1982، فخلال هذه الفترة وبعدها، زار 182 عاصمة ومدينة، ابتداء من جزر «الهاواي» في المحيط الهادئ غرباً، حتى كوريا الشمالية شرقاً، وقابل أثناء ذلك كثيراً من الأشخاص، والقادة والزعماء، كما أنه قضى مدة تقارب الثمانية أعوام (1994 – 2001) خارج وطنه اليمن، متنقلاً بين كثير من البلدان، بالإضافة إلى زياراته ومشاركاته الرسمية في وفود خارجية.

ومن الطبيعي أن يكون لكل هذا الكم من الانطباعات والذكريات عن المدن والشخصيات، أن دفع به إلى تدوين ذكريات عمله، أيضا من باب رؤية التسجيل التاريخي لما صاحب ذلك من أحداث مهمة، يقول: أود أن أبين هنا، أن المدن والشخصيات العربية والعالمية التي رأيتها وتعرفت إليها أثناء رحلاتي وأسفاري، كثيرة، إلى حد يصعب حصرها جميعاً، لذا، فليست جميعها واردة في الكتاب، لأن الهدف من وضع هذا الكتاب، ليس توثيق تلك الأسفار والرحلات كلها، وإنما تدوين أهمها، وأهم الشخصيات والانطباعات والذكريات والحقائق والأحداث التي كانت سائدة أيامها.

ويضيف: لعل الأسلوب الذي اتبعته في هذا الكتاب مناسب، كونه يحتوي – أيضاً – في كل مدينة، على وصف لها وأحوال الناس فيها بقدر الإمكان، وكذا، أحداث وطرائف وذكريات عن أشخاص من الطراز العالمي، وأناس عاديين يستحقون الذكر.

يبدو لقارئ الكتاب أن كل قسم خاص بمدينة يتضمن رؤية شاملة تحتوي كلا الجانبين الموضوعي والشخصي، من حيث وصف المكان بكل أبعاده وتنوعاته، وأيضا وصف علاقة الكاتب مع المكان والأحداث التي وقعت له فيه.

وهذه الطريقة في الكتابة هي النهج الذي اختاره الكاتب في كل المدن التي تناولها، ولعل الملاحظة التي تستوقف القارئ منذ البداية هي تناوله لعدة مدن يمنية في أول الكتاب، ولعل هذا الأمر يرتبط برغبة الكاتب بتناول أماكن الطفولة والصبا والشباب، ورغبته في تسجيل ما ظل عالقا بذاكرته عن أرض الوطن، مع أن الكاتب ينفي أنه يريد تسجيل مذكرات شخصية متكاملة، وإنما تدوين بعض الذكريات عن المدن التي زارها وعاش فيها، وما جرى فيها من أحداث ووقائع، ومَنْ قابلهم أو عايشهم فيها.

يقول سالم صالح : هناك أسباب أخرى قد تكون حالت دون إيراد الذكريات عن بعض المدن، منها أن مكوثي في تلك المدن لا يحمل جديداً أقدمه للقارئ، سواء من حيث الأحداث التي جرت في المدينة المعنية وتاريخها وشخوصها، أو من حيث ذكرياتي الشخصية الخاصة بها، وكذلك الحال بالنسبة للأشخاص؛ فإيراد أسماء أشخاص هنا وهناك، لا يعني أنني قد شملت الجميع، وإنما أوردت من هم في الذاكرة، أو من هم كأمثلة لمجموعات شاركت في صنع متغيرات، أو نماذج لأبناء مدينة أو منطقة، وأحياناً اهتممت بشخصيات رأيت أن لها فعل الأثر التاريخي، الذي يفرض نفسه من بين شخصيات كثيرة جداً قد تكون صنعت الحدث.

ويمكن لقارئ الكتاب أن يلمس نبرات الحنين في حديثه عن بعض الأماكن، ويمكن تتبع تأثر المؤلف ببعض المدن، خاصة مدن بلده اليمن التي يحكي من خلال سرده عنها مواقف سياسية وثورات خاضتها البلاد، يصف كيف قامت الثورة المسلحة في أكتوبر 1963، من قمم جبال ردفان، مما سارع في نهوض العمل السياسي من مدينة عدن، وبقية محميات الجنوب.

يقول: كنت مهيأ للانتقال إلى تعز لأن عدن علمتني حب الوحدة اليمنية منذ وقت مبكر سواء من ناحية معايشتي لكثير من أبناء المناطق الشمالية في عدن عن قرب، أو عن طريق الأجواء العامة في عدن.

إلى جانب هذا يمكن معرفة المواقف السياسية للمؤلف رغم حرصه أن لا يذكرها بشكل مباشر في كثير من الأحيان إلا أنه يمكن استنتاجها، سواء تلك المتعلقة باليمن أو في البلدان الأخرى، بحيث يمكن اعتبار هذا الكتاب بما فيه من دمج بين الجغرافيا والتاريخ والسيرة، شهادة توثيقية مهمة على مرحلة من التاريخ العربي حفلت بالحروب والثورات والمعارك الحزبية في أكثر من بلد، وبالتالي فإن ثمة تأثيرا متبادلا حدث بين بعض البلدان، خاصة تلك التي تأجج فيها سيطرة الأحزاب وصراعاتهم، ووصول بعضهم للسلطة.

ومن المدن التي يتناولها الكتاب: ضيئان، يافع، الزاهر والبيضاء، عدن، حضرموت، الرياض، مكة، القاهرة، الجزائر، اللاذقية، جبلة، حلب، بيروت، المنامة، جيبوتي، مقديشو، عمان، موسكو، ليننجراد، القرم، أوكرانيا، لندن، برلين، فرانكفورت، صوفيا، باريس، أثينا، براغ، بوخارست، الفاتيكان، نيودلهي، كراتشي، أسمرا، كولومبو، أولان باتور، بيونغ يانغ، نيروبي، نيويورك، هافانا، مانجوا، وغيرها العديد من المدن.

يذكر أن كتاب \"مدن نسكنها ومدن تسكننا\"، صدر عن وكالة الصحافة العربية – ناشرون، القاهرة، ويقع في نحو 700 صفحة من القطع الكبير.