النهضة تستشعر هزيمة مورو منذ الدور الأول في رئاسيات تونس

ضبابية في المشهد تظطر راشد الغنوشي للتبرير خسارة محتملة لمرشح النهضة في الانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو عبر دعوة ثلاث مرشحين بالانسحاب لصالحه.

تونس - دعا زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي اليوم الخميس، ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجرى الأحد في تونس، للانسحاب لصالح مرشح الحركة الإسلامية عبدالفتاح مورو، وذلك قبل ساعات من بداية الصمت الانتخابي في خطوة تبدو بمثابة الاستعداد لتبرير سيناريو الفشل في تخطي الدور الأول.

وقال الغنوشي في تصريح لإذاعة محلية نشر محتواه على صفحته في فيسبوك داعيا أنصار النهضة "لاختيار من هو قادر على حمل شعلة الثورة"، إن "عبد الفتاح مورو يمثل الوطنية التونسية الجامعة وحري بأنصار الثورة الانسحاب لصالحه لأن حظوظه أوفر من حمادي الجبالي وسيف الدين مخلوف والدكتور المرزوقي، و لأن التصويت لهم يضعف خزان النهضة و يخسر الجميع".

وأضاف الغنوشي "حري بالدكتور المرزوقي المناضل الحقوقي والثوري إن كان يناصر الثورة دعوة أنصاره للتصويت للأستاذ عبد الفتاح مورو الأكثر حظا" .

ويتوجه أكثر من سبعة ملايين ناخب تونسي الأحد 15 سبتمبر/أيلول الجاري، ثاني رئيس منتخب ديمقراطيا بعد وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي قبل أشهر من نهاية عهدته التي بدأها عام 2014 في أول انتخابات رئاسية بعد إنشاء الدستور التونسي الجديد والثانية بعد ثورة 2011 التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي.

واضطرت النهضة التي يسيطر نوابها على البرلمان الحالي، لترشيح أحد أقدم قياداتها عبد الفتاح مورو، وذلك بعد أن فشلت في إيجاد مرشح توافقي من خارج الحركة يضمن ولائها داخل قصر قرطاج في انتخابات لم تعد حتى استطلاعات الرأي تستطيع التنبؤ بنتيجتها.

وعلى عكس الانقسام الذي كان واضحا خلال الانتخابات الرئاسية في 2014، بين إسلاميين وأنصار التحديث، اتسم المشهد السياسي في 2019 بتنوع أقطابه وتشتتها بين إسلاميين وعلمانيين وشعبويين وأنصار النظام السابق.

ويقول مراقبون للشأن التونسي إن هذه ضبابية في المشهد الانتخابي جعلت الحركة الإسلامية تعد سيناريو يستبق فشل مرور عبدالفتاح مورو إلى الدور الثاني من الرئاسيات.

ويؤكد عدم رمي النهضة بكامل ثقلها في الحملة الانتخابية التي خصصتها لمورو وهي الأضعف للحركة الإسلامية منذ 2011، تركيزها على دعم مرشح آخر من خارج قواعدها.

فقد اكتفت النهضة بحملة انتخابية باهته ركزت على الشكل لا المضمون، حيث روجت لعملية تغيير "لوك" عبد الفتاح مورو المعروف بتمسكه خاصة بالظهور في اللباس التقليدي التونسي (الجبة)، وإخراجه في ثوب عصري عبر بدلة وربطة عنق تليق برئيس "الدولة المدنية" في إشارة إلى جدية سعيها نحو التحول إلى "حزب مدني".

لكن النهضة لا تزال تراوغ وتنكر دعمها مرشحا ثانيا، وقال الغنوشي الأربعاء، خلال تجمع شعبي خاص بالحملة الانتخابية لمورو في مدينة قفصة (جنوب غرب) إن "الدفع بمورو لخوض الانتخابات هو ترشح جدي، وما يتم ترديده بأن النهضة تناور بترشيح مورو، كلام فارغ".

وأضاف أنه "لا يمكن اللعب بمستقبل تونس بترشحات غير جدّية".

وتكمن خصوصية الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في أنها ستشكل اختيارات الناخبين في الانتخابات التشريعية التي تليها وهو ما سيجبر النهضة على عقد صفقة وتحالف مع مرشح يمكنه المرور للدور الثاني وستدعمه سرا.

ولا تخفي ترتيبات النهضة السرية تخوفها من فشل ذريع خصوصا أن احد مرشحيها للانتخابات التشريعية المنتظرة في السادس من شهر تشرين الأول/أكتوبر هو زعيمه راشد الغنوشي نفسه.

وستكون هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة للحركة الإسلامية وللإسلام السياسي بصفة عامة، فهي بمثابة اختبار لها بعد خسارة خزانها الانتخابي بعد فترة حكم اتسمت بالفشل، وهو ما اضطرها لانتهاج طريقة تواصل جديدة مؤخرا تركز على التنمية وخلق فرص الشغل للشباب لإقناع الناخبين بعد اهتزاز صورتها لدى الرأي العام التونسي.

ومن أبرز المرشحين الذين تخشاهم النهضة وزير الدفاع السابق عبدالكريم الزبيدي الذي يعد مفاجأة الترشيحات لأنه حتى لحظة تقدمه للانتخابات كان بعيدا عن السجال السياسي في البلاد وليس له مواقف سياسية تذكر ولم يشارك في أي انتخابات بالإضافة إلى أنه آخر من تواصل مع الباجي قائد السبسي قبل وفاته.

كما يمثل نبيل القروي رجل الأعمال ومالك قناة "نسمة" الذي ترشح من خلف قضبان السجن إذ أنه محبوس منذ الشهر الماضي للاشتباه بارتكابه التهرب الضريبي وغسل الأموال، أحد الأسماء التي يخشاها جميع المرشحين بسبب حملته الانتخابية التي جهز لها قبل سنوات في الأوساط الريفية التي تعتبر خزانا انتخابيا كبيرا في تونس التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة.

النهضة تطلب من المرزوقي تسديد فاتورة دخوله غلى قرطاج سابقا
النهضة تطالب من المرزوقي بتسديد فاتورة دخوله إلى قرطاج سابقا

ويتخوف أغلب التونسيين من سيناريو مرعب يضطرهم للاختيار بين مورو أو مرشح آخر تدعمه الحركة الإسلامية في الخفاء، ومرشح غير جدير بالثقة بسبب تشتت أحزاب اليسار وأحزاب ما يسمى بالعائلة الديمقراطية التي كان يمثلها حزب نداء تونس الذي تشتت بعد رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي.  

وكان من المنتظر أن ينسحب بعض المرشحين لصالح آخرين هذا الأسبوع بعد المناظرات التلفزية حتى يتسنى تجميع أصوات الناخبين لصالح مرشح واحد يمكنه التصدي لمرور ا لإسلاميين إلى الدور الثاني، غير أن النهضة دعت إلى ذلك اليوم الخميس بشكل مباشر في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة الإشارات لقواعدها وحتى منافسيها بأن عدم وصول مورو للدور الثاني سيكون بسبب تشتيت الأصوات.

يذكر أن النهضة هي من دفعت بالرئيس المؤقت الأسبق منصف المرزوقي إلى تولى السلطة بين ديسمبر/كانون الأول 2011 ومارس/آذار 2013، وقد طلب مساندتها في الانتخابات الحالية أيضا.

لكن قيادات في النهضة دعت المرزوقي إلى رد الجميل ودعم مورو.

وقال سمير ديلو القيادي في النهضة عبر صفحته على فيسبوك مخاطبا المرزوقي  اختارت حركة النهضة في انتخابات 2014 عدم تقديم مرشّح والتزام الحياد فصوّت لك أغلب أنصارها، ومن الوهم تصوّر تحوّل الاستثناء العارض إلى قاعدة تتيح لك التعويل على ذات الأنصار رغم أنه قد أصبح لهم مرشّح رسميّ جدّي وذو حظوظ وافرة".
وأضاف "منطق التصويت المفيد يفرض دعم المرشّح الأوفر حظّا في بلوغ الدور الثاني حتى لا تضيع الأصوات هدرا، من أجل كل المبادئ التي تتقاسمها مع الأستاذ مورو .وعملا بالتصويت المفيد الذي دعوت له :لم لا تعلن دعمك للأستاذ مورو و دعوتك للتّصويت له؟".

بالإضافة إلى المرزوقي فإن المرشح المستقل حمادي الجبالي كان قياديا بارزا في النهضة وتولى السلطة لصالحها كرئيس حكومة بين ديسمبر/كانون الأول 2011 ومارس/آذار 2013.

أما سيف الدين مخلوف المرشح عن "إئتلاف الكرامة" فلا ماضي سياسي يذكر له، فقد عرف فقط بتأييده للنهضة وبإثارته للجدل عبر تصريحات مؤيدة وموالية للإسلاميين.