
صمت انتخابي محاط بالتوتر في تونس
تونس - دخلت تونس في حدود منتصف ليل الجمعة في صمت انتخابي يتواصل كامل يوم السبت حيث سيشارك ملايين التونسيين في انتخاب نواب للبرلمان الاحد.
وشرع التونسيون في الخارج الجمعة في الإدلاء بأصواتهم وسط منافسة شديدة بين مختلف القوائم الحزبية والمستقلة للحصول على اكبر نسبة من المقاعد في البرلمان.
وعاشت البلاد طيلة فترة الحملة الانتخابية توترا شديدا بسبب الاتهامات المتبادلة بين مختلف الاحزاب وبين المرشحين حيث كان الفساد والتعامل مع جهات اجنبية مشبوهة السمة الأبرز لهذه التهم.
ويتوقع مراقبون عزوفا من قبل الناخب التونسي بسبب سبب فقدان الثقة في الأحزاب السياسية خاصة منها التقليدية والتي تمثل أغلبها جزء من منظومة الحكم.
لكن الصراع السياسي والانتخابي يزداد غموضا في ظل تعقيدات جديدة مرتبطة بالدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها المرشح المستقل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد وقطب المال والإعلام المسجون نبيل القروي بعد قرار أحزاب بينها حزب التيار الديمقراطي وحزب تحيا تونس مقاضاة القروي بدعوى المساس بأمن الدولة والتمويل الأجنبي لحملته الانتخابية، التعاقد مع شركة علاقات عامة صاحبها موظف سابق في الموساد الإسرائيلي.
ولم تخرج الانتخابات الرئاسية من عقدة قانونية تتمثل في خوض مرشح رئاسي السباق إلى قصر قرطاج من وراء القضبان، حتى برزت عقدة أخرى من شأنها أن تعمق المأزق السياسي، فجرتها وثيقة على موقع وزارة العدل الأميركية وتحدثت عن تعاقد القروي مع الشركة سالفة الذكر المثيرة للجدل.

وكانت النيابة العامة التونسية قررت الجمعة التحقيق في الوثائق المتداولة وذلك بعد فترة وجيزة من قرار رئيس الحكومة التونسية ورئيس حزب تحيا تونس رفع قضية في الغرض.
وقبل سويعات من انطلاق الصمت الانتخابي كشفت مصادر إعلامية ان قاضي التحقيق المتعهد بقضية القروي قرر منح ترخيص لوكالة تونس افريقيا للانباء وعدد من الإذاعات الخاصة لاجراء مقابلات مع القروي.
لكن القرار لم يشمل القنوات التلفزيونية حيث افاد عبدالعزيز الصيد محامي المرشح المسجون ان القضاء رفض اجراء المقابلات التلفزيونية.
والتهم بالتعامل مع شركات دعاية أجنبية بدأت تطال كذلك حزب النهضة ومنظمة عيش تونس ما يثير عديد التساؤلات حول دور جهات أجنبية في التدخل في الشان الانتخابي التونسي.
وتعرف الانتخابات التشريعية تشتتا غير مسبوق داخل العائلات السياسية حيث رشحت كل عائلة اكثر من حزب ناهيك عن القوائم المستقلة والائتلافات الحزبية ما سينعكس على اختيارات الناخب الذي اصبح غير قادر على التمييز بين المرشحين.
وفيما يعكس أجواء انعدام اليقين، أكد حزبان رئيسيان عدم الانضمام إلى أي حكومة تضم الطرف الآخر، وهو موقف غير مُبشر لمفاوضات الأخذ والرد اللازمة لتشكيل الحكومة.
وبعد ثماني سنوات من الثورة التونسية التي فجرت انتفاضات "الربيع العربي"، يزداد الشعور لدى كثير من التونسيين بخيبة الأمل من مؤسسة فشلت في تحسين مستويات المعيشة.
وعلى الرغم من أن السياسة التونسية تشهد منذ زمن طويل تنافس جماعات علمانية وإسلامية في الانتخابات ثم تقاسم السلطة، إلا أن الشعبوية الناشئة تهدد بوضع نهاية لمثل هذه الصيغ أو التسويات.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع، انقلب الناخبون في الانتخابات الرئاسية على جميع اللاعبين الرئيسيين في أروقة الحكم، ورفضوا السياسيين البارزين لتسفر تلك الانتخابات عن وصول وجهين جديدين إلى جولة الإعادة.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول، سيتنافس قيس سعيد الأكاديمي المستقل ذو الآراء الاجتماعية المحافظة، مع نبيل القروي قطب الإعلام المحتجز منذ أغسطس/آب بتهمة غسل الأموال والتهرب الضريبي والذي ينفي ما ينسب إليه من اتهامات.
وهيأت هذه النتيجة مسرح الأحداث لانتخابات صعبة يوم الأحد وتصويت يمكن النظر إليه باعتباره أكثر أهمية من الانتخابات الرئاسية ذاتها لأن البرلمان هو الذي سيشكل الحكومة المقبلة.
وبموجب الدستور التونسي لعام 2014، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب في البرلمان هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل الرئيس المسؤولية المباشرة عن أمور الخارجية والدفاع.
وإذا فشل أكبر حزب في الفوز بعدد كبير من المقاعد مع وجود الكثير من المستقلين، فقد يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف يضم ما يصل إلى 109 نواب مطلوبين لتأمين الحصول على دعم بالأغلبية لحكومة جديدة.
وتكون أمامه مهلة شهرين من تاريخ الانتخابات إما أن ينجح في ذلك أو يكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل حكومة. وإذا فشل، فستجرى الانتخابات مرة أخرى.
ومع ارتفاع معدل البطالة إلى نحو 15 بالمئة على المستوى الوطني و30 بالمئة في بعض المدن، ومضي الحكومة في جهود كبح جماح التضخم الذي بلغ 7.8 بالمئة العام الماضي، فإن أي حالة من الشلل السياسي قد تبلغ حد الخطر.

وتعهد اثنان من أوضح الأحزاب موقفا، وهما حزب النهضة الإسلامي وحزب قلب تونس، بعدم الانضمام إلى حكومة تضم الآخر. ويركز كلاهما على الفقر باعتباره القضية الرئيسية، لكن كلا منهما يعاني من نقاط الضعف الخاصة به.
وتحاول حركة النهضة استعادة الناخبين السابقين المحبطين من دورها في إدارة الحكم في مناسبتين (حكومة الترويكا الأولى والثانية).
وقد عبرت الحركة الإسلامية عن تأييدها للمرشح المستقل قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، على أمل أن تجتذب مؤيديه في الانتخابات البرلمانية.
ويخوض زعيم النهضة راشد الغنوشي الذي كان يقيم في لندن قبل انتفاضة 2011، الانتخابات التشريعية للمرة الأولى وقد يسعى إلى أن يصبح رئيسا للبرلمان، فيما كانت الحركة الإسلامية تخطط للهيمنة على الرئاسيات الثلاث: رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان ورئاسة الدولة، لكن نتائج الانتخابات الرئاسية كشفت عن تصويت عقابي وتراجع كبير في حظوظها على جميع المستويات وفقدانها الكثير من الدعم حتى من داخل قاعدتها الانتخابية التقليدية.
وقال إن الخيار في هذه الانتخابات بين قوى الثورة مثل النهضة وقيس سعيد و"أحزاب الفساد"، في إشارة إلى القروي ومشاكله القانونية.
وفي النهاية أي ائتلاف قد تفرزه الانتخابات سيواجه نفس الخيار غير المستساغ الذي أضر بالحكومات السابقة: إما إصلاحات اقتصادية يعارضها اتحاد عمالي قوي أو زيادة الدين العام وهو ما تعارضه الجهات المقرضة الأجنبية.