ترامب يواصل بعثرة أوراق الأوروبيين المنقسمين في سوريا

الرئيس الأميركي يقرر رفع العقوبات عن تركيا بعد حصوله على وعد من أنقرة بأن يكون وقف إطلاق النار فى "المنطقة الآمنة" بشمال شرق سوريا دائما.
نواب يرغبون في معاقبة المسؤولين المتورطين في الهجوم التركي
دول الاتحاد منقسمة حول كيفية الرد على التوغل التركي في سوريا
البرلمان الأوروبي يدعو لقطع العلاقات التجارية والتمويل لتركيا

واشنطن - بعثر الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأربعاء، أوراق الدول الأوروبية مرة أخرى بإعلانه رفع واشنطن العقوبات المفروضة على تركيا، في وقت كانت تعكف فيه بروكسل على ايجاد آلية مشتركة بين الدول الأوروبية لفرض جملة من العقوبات الاقتصادية على أنقرة بسبب هجومها العسكري شمال سوريا.

وأشاد ترامب الأربعاء بنجاح وقف إطلاق النار على الحدود التركية السورية الذي التزمت به أنقرة، بعد أن توصلت لاتفاق مع روسيا يضمن انسحاب الأكراد من حدودها مع سوريا.

وأوضح أن بعض الجنود سيبقون لحماية حقول النفط السورية رغم الانسحاب الأوسع من البلاد.

وقال ترامب في كلمة متلفزة "في وقت سابق من صباح اليوم، أبلغت الحكومة التركية إدارتي بأنها ستوقف العمليات القتالية وهجومها في سوريا ما يجعل وقف إطلاق النار دائما... لذا، أمرت وزير الخزانة برفع جميع العقوبات التي فرضت (على أنقرة) في 14 تشرين الأول/أكتوبر".

وحذر من أن العقوبات "القاسية" يمكن إعادة فرضها إذا فشلت تركيا في الوفاء بالتزامها بحماية الأقليات الدينية والعرقية.

ويأتي إعلان الرئيس الأميركي بعد اتفاق توصل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء في سوتشي، ستعمل روسيا وسوريا بموجبه "على تسهيل" إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود.

كما يتضمن الاتفاق احتفاظ تركيا بـ"منطقة آمنة" داخل سوريا بطول 120 كلم ًوعمق 32 كلم. وستبدأ روسيا وتركيا دوريات مشتركة على طول المنطقة.

وعبرت الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا عن رفضها للعملية العسكرية التركية في سوريا منذ البداية، واليوم الأربعاء عبر مشرعو الاتحاد الأوروبي عن رفضهم لمشروع "المنطقة الآمنة" الذي تم توقيعه بين موسكو وأنقرة، لكن حكومات تلك الدول منقسمة بشأن كيفية الرد عليها.

ووصفه دبلوماسي أوروبي كبير الاتفاق الروسي-التركي بأنه "نكسة كبيرة لحلف شمال الأطلسي" بعد انسحاب القوات الأميركية الذي أقلق التحالف العسكري.

وجاء في نص مشروع القرار أن المجلس "يرفض بشكل قاطع" طموحات تركيا بشأن المنطقة الآمنة ويحث أيضا على فرض عقوبات على المسؤولين الأتراك المسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان في الهجوم على المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا.

ويطالب النص كذلك مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار بإنشاء منطقة أمنية في شمال سوريا بموجب تفويض من الأمم المتحدة.

وقال السياسي الألماني المنتمي ليمين الوسط مايكل جاهلر، متحدثا نيابة عن أكبر تجمع سياسي في البرلمان الأوروبي "نطالب تركيا بانسحاب فوري من سوريا".

ويدعو مشروع قرار من المتوقع أن يوافق عليه مشرعو الاتحاد الأوروبي غدا الخميس ويحظى بتأييد كل الكتل السياسية في البرلمان لاتخاذ "إجراءات اقتصادية مناسبة ومحددة ضد تركيا".

وتدعو مسودة القرار، التي لا تزال موضوعا لتعديلات طفيفة، لتجميد المعاملة التفضيلية للصادرات الزراعية التركية لدول الاتحاد الأوروبي.

كما يحث مشروع القرار أيضا على تعليق الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي مع أنقرة، وهو إجراء من شأنه أن يؤثر بالسلب على حجم التبادل التجاري السنوي بين 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وتركيا والذي تقدر قيمته بمبلغ 200 مليار يورو (222.3 مليار دولار).

الدعم الروسي للأسد يقوض المساعي الأوروبية لانهاء النزاع بقرار دولي
الدعم الروسي للأسد يقوض المساعي الأوروبية لانهاء النزاع بقرار دولي

وعلى الرغم من أنه ليس للمشرعين الأوروبيين رأي مباشر في العقوبات ذات الصلة بالتجارة فإن لهم نفوذا فيما يخص القدرة، مثلا، على خفض التمويل السنوي المقدم لأنقرة، والبالغ نحو 250 مليون يورو، في إطار عمليتها المطولة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو خيار تؤيده مجموعة يمين الوسط في المجلس الأوروبي.

كما بوسع البرلمان كذلك عرقلة أي تمويل جديد من الاتحاد الأوروبي لمساعدة أنقرة على التعامل مع ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، كثير منهم ترغب تركيا في إعادة توطينهم في "المنطقة الآمنة".

ويتناقض القرار الأميركي مع المصالح الأوروبية في المنطقة وخاصة في الملف السوري، حيث تثير الهيمنة الروسية المتزايدة والمطامع التركية في المنطقة قلق بلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصا في ما يتعلق بقضية اللاجئين الذين يتدفقون عليها منذ 8 سنوات علاوة عن المخاوف المتزايدة من تسلل المتشددين والجهاديين الذي كانوا يقاتلون في سوريا مع تنظيم داعش الإرهابي.

وتفاجأ الأوروبيون الذين يشاركون في التحالف الدولي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة في سوريا لمحاربة تنظيم داعش، بقرار الرئيس الأميركي سحب قوات بلاده من سوريا مؤخرا، وهي الخطوة التي مثلت الضوء الأخضر أمام لأردوغان لتنفيذ هجومه ضد الأكراد واستباحة الأراضي السورية.

ولم يخفي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان-ايف لودريان استيائهما من "الاضطراب" الذي أثاره قرار ترامب، وباتت فرنسا تندد علنا بفقدان "مصداقية" الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

وأبدى ماكرون إنزعاجه بالقول "أفهم أننا في حلف شمال الأطلسي. وأفهم أنّ تركيا والولايات المتحدة في الحلف. واكتشفت من خلال تغريدة على موقع تويتر أنّ الولايات المتحدة قررت سحب قواتها وإخلاء المنطقة، مثلي مثل الجميع".

وكانت الأزمة المتعلقة بالموقف الأميركي من سوريا بدأت خلال قمة مجموعة السبع التي عقدت في نهاية آب/أغسطس في بياريتس في فرنسا.

وتفاقمت عندما لم يبلغ ترامب ماكرون، وغيره من الحلفاء، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بقرار الانسحاب الذي من المفترض أن تترتب عليه عواقب وخيمة على صعيد المنطقة وعلى صعيد مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويخدم الانقسام الأوروبي حول كيفية الرد على التوغل التركي في سوريا ترامب كثيرا، فهو الذي أدخل منذ صعوده إلى البيت الأبيض العلاقات مع الحلفاء التقليديين لواشنطن في نفق غير مسبوق عندما هدد البلدان الأوروبية بفرض  رسوم جمركية على منتجاتها فضلا عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي-الإيراني، مقوضاً بذلك محادثات استمرت لسنوات.

وأصبحت اتجاهات ترامب السياسية المُتقلبة تثير مخاوف الأوروبيين أكثر فأكثر، فالتكتل المهدد بانفراط عقده بعد خروج بريطانيا قريبا منه، يخشى ضعف ثقله على الساحة الدولية كمؤسسة تجتمع تحتها عدة دول يمكنها مواجهة نفوذ إقليمي متزايد لتحالفات فرضتها التحولات السياسية في عدد من الدول العربية في السنوات الأخيرة.