'حافيا تحت مطر الياسمين' كتابة بمزاج الفصول
عمان - "حافيًا تحت مطر الياسمين" للدكتورة جيهان فياض الشهابي، الصادر عن "دار الآن ناشرون وموزعون"، كتاب يشبه ما يكتب على ورق الياسمين برقته، فالعنوان يحمل القارئ لعدد من الصور التي تتبادل فيها الفصول طبعها بين الخريف والربيع في جماله وأحلامه، والشتاء والصيف في تقلباتها بين الرعد والحر والبرد، وكأن الكاتبة تصور الحياة بمرآة الفصول ومزاجها.
يشتمل الكتاب الذي يقع في 252 صفحة من القطع الوسط على أبعة أقسام تمتد بين الزمان والمكان وما بينهما من مساحة للذاكرة، فالقسم الأول يحمل عنوان "على مدخل الذاكرة" الذي تدوّن فيه الكاتبة مشاهدات الحياة برجع التجربة، وحمل القسم الثاني عنوان "ها هنا الآن"، الذي يحمل اللحظة الراهنة، أما القسم الثالث فيحمل عنوان "قبل النسيان" الذي يُنشِّط الذاكرة باستعادة الماضي بشيء من التأمل وكثير من الأسئلة، وفي القسم الرابع الذي حمل عنوان "كل الأشياء تبدأ ساخنة" تعود الكاتبة للحظة بدء وولادة للأشياء، التي تكون معها الأشياء طازجة وناضجة قبل أن تتعرض لأحوال الحياة وتقلباتها، وقبل أن تتركك عليها خدوشها وأثر مناخها.
وفي العنوان، تجسد الكاتبة تلك اللحظة البدئية أو اللحظة البكر التي تسير فيها بملامسة التراب الذي يحمل عبق الياسمين ورائحته، ملامسة ناعمة برذاذ يشبه الندى، المشي الذي يكتشف الطريق ويعرفها ويقود خطواتها للحرية والنور.
ولا تخرج غالبية عناوين النصوص عن فضاء الطبيعة بأحوالها وانعكاساتها على الذات والنفس، فهي ترى أن الطبيعة مرآة للنفس وصورة لتقلباتها، ومنها: "طيف، حكاية من قلب السحاب، في الروح قافلة مسافرة، حين يصحو الإحساس، أهلا ..أهلا بالربيع، همس الفصول، أهلا أهلا بتشرين، أسرار خريفية، ها قد أطل الياسمين، أنت، موجة أنا..".
ما العالم الحقيقي إلا الكينونة التي تسكن عمق كل منا
وتمثل النصوص التي تندرج تحت عنوان الخواطر على سيل من الأحاسيس والمشاعر الفياضة التي تختار كلماتها من قاموس الحديقة وألوان قوس قزح وتبدلات الفصول، بنصوص قصيرة تشبه وميض البرق أو فلاش الكاميرا وهي تصور المشهد، غير أن تلك المشاهد المرئية تتكون في غرفة النفس بما تظلل الكاتبة عليه من مشاعر الإنسان وهمومه وهواجسه وأحلامه. فهي تؤنسن اللحظة الفيزيائية وتسبغها بمشاعر الكائن التي تجعل من الطبيعة والمكان والكون والكائن في دائرة الوجود التي تتوسلها الكاتبة بعين التأمل وتتمثلها في مشاعرها وأحاسيسها.
فالكاتبة تعيش ألفة الطبيعة وتقلبات فصولها وتُسقط تغيراتها عل الحالة الإنسانية بمفردات الحضور والغياب، والسكون والتمرد، بصور متحركة تعكس دواخل الإنسان وجوانياته التي تضارع صور الطبيعة.
وكما تكتب على الغلاف الأخير من الكتاب، فهي تلجأ للحلم الذي أسعف الروح لتقبل تلك التقلبات في الطبيعة والكائن، وأكثر من ذلك فهي تذهب لإعادة ترتيب الأشياء في الطبيعة:
لا بأس من الحلم في عالم جامد
ففي الخيال رحابة لا تطالها سلاسل الحقيقة"
وفي نص "يوماً ما" تعبِّر عن نزعة الحياة التي تنبت أرضها أزهار الياسمين، وهي تعرف أن الأشياء سوف تتصالح وتتمازج الأطياف في لحظة التقاء الأرواح:
"يوما ما .. حين تكون الأمواج تواقة للضفاف
سأنزع المرساة وأفتح الشراع
يوما ما سينبت مني الياسمين
ولسوف تلتقي الأرواح".
وفي نصوص: "نحن من نحن، والألق في ألواني، تأملات.." تقف الكاتبة لنتأمل ظلال الأشياء بموحيات الغياب، التي تستحضرها في الذاكرة بصور مبللة باللغة الطازجة، التي تعيد تشكيل الطبيعة كما كانت أول مرة، وتعيد النفس إلى طفولتها الإنسانية وطهرانيتها وحسن ظنها، من خلال جماليات التشبيه التي تهمس بها بخفوت يقترب من الوشوشة، لتدخل إلى جوانيّات الإنسان، ليس بالبصر أو السمع، إنما من جهة القلب ومساحة الروح .
"ما العالم الحقيقي إلا الكينونة التي تسكن عمق كل منا..
هذا النابض خلف الضلوع، هو الكون بكل ما فيه..
وما الروح.. هذي الروح بشفافيتها.. بتفردها وتميزها
بخلودها بعد الفناء في الأجساد..
إلا فضاء رحب.. فضاء يتلألأ ويضيء".
ويذكر أن د. جيهان فياض الشهابي كاتبة وأديبة أردنية، عضو اتحاد الكتاب و الأدباء الأردنيين، خريجة الجامعة الأردنية، كلية الطب، الاختصاص العالي في طب الأطفال والخداج.