الحكومة العراقية عاجزة أمام شعب 'تعود على الموت'

الاحتجاجات شهدت منذ بدايتها أعمال عنف دامية، أسفرت عن مقتل نحو 270 شخصاً، في وقت تمتنع السلطات منذ نحو أسبوع عن نشر حصيلة رسمية.
مقتل 4 متظاهرين وإصابة 100 قبالة بوابات ميناء أم قصر في البصرة
عودة الانترنت إلى العاصمة بغداد ومحافظات أخرى بعد انقطاع لساعات
المتظاهرون يخيمون تحت الجسور والأمن يطلق النار من زوارق في النهر
اصرار المتظاهرين على الاعتصام أمام ميناء أم القصر يجبر الأمن على الانسحاب

بغداد - دخلت الاحتجاجات العراقية شهرها الثاني، ولا تزال الحكومة عاجزة عن إيجاد مخرج يلبي مطالب المحتجين الذين تسلحوا في ساحات الاعتصامات بالمقاليع ومتاريس من الألواح الحديدية والكتل الخرسانية، فيما تستخدم القوى الأمنية الطلقات المطاطية والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع لصد احتجاجاتهم.

وتجمد الحال على هذا الوضع المتوتر بين الجانبين فيما  تشهد ساحات المظاهرات في بغداد ومحافظات جنوبية تصعيدا خطيرا بسبب القمع.

وبدأ عدد المستهدفين برصاص القوات الأمنية في ارتفاع اليوم الثلاثاء، بعد أن قتل العشرات من المتظاهرين على جسري الجمهورية والسنك المتجاورين في العاصمة بغداد وفي محافظات أخرى مثل كربلاء والبصرة أمس الاثنين.

وقال علي وهو في أوائل العشرينات من العمر ومن حي مدينة الصدر أحد الأحياء الفقيرة في بغداد إنه شاهد بعينيه أكثر من 50 شخصا يسقطون قتلى أمامه منذ بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق الشهر الماضي.

وأوضح "أول واحد كانت صدمة إلي، الشاب كان معروف إلي وضربوه بصدره".

وأضاف "تعودنا على الموت بسرعة... أني شايف ناس، منهم أصدقائي، اختنقوا غرقوا أو انقسموا جماجمهم من قنابل الغاز أو الصوتية".

وقال "ما نقدر نبشي (نبكي) على لم أجسادهم".

ويقول شهود ومصادر طبية وأمنية إن أكثر من 250 عراقيا سقطوا قتلى منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول في احتجاجات على الحكومة التي يعتبرونها حكومة فاسدة أسيرة المصالح الأجنبية.

ولم يرد تعليق على الفور من وزارة الداخلية التي تشرف على العديد من وحدات القوى الأمنية، لكن تقريرا حكوميا قال إن ما يقرب من 150 شخصا قُتلوا في الأسبوع الأول من الاضطرابات وكانت إصابات 70 في المئة منهم بالرصاص في الرأس والصدر.

واتكأ علي على كومة من البطاطين القذرة على ضفة نهر دجلة تحت جسر الجمهورية وراح يروي قصص زملائه القتلى.

وعلى مدى الأيام العشرة الماضية أقام مئات الشباب والصبية، بعضهم صغار في الثانية عشرة من العمر، خياما على الجسر وتحته. وهم يسمون أنفسهم "الخط الأمامي للثورة" ويرتدون خوذات مما يرتديه عمال البناء ويضعون أقنعة واقية من الغاز على وجوههم ويرددون هتافات تطالب بإسقاط الحكومة.

وقد شهد الجسر المؤدي من الساحة إلى المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد حيث مباني الحكومة والسفارات الأجنبية اشتباكات عنيفة بين المحتجين والقوات الأمنية.

وقال علي بينما كانت قوات الأمن تطلق عددا من عبوات الغاز المسيل للدموع "نرميهم بالحجر و بيردوا بقتلنا".

وأقامت مجموعة من العاملين في المجال الطبي المتطوعين مخيما للمساعدة في علاج الجرحى. ويقول أفراد المجموعة إن الغاز المستخدم الذي انتهت صلاحيته يسبب الاختناق للناس.

وأصيب شاب حافي القدمين يرتدي قميصا قذرا بلا أكمام وسروالا بالإغماء بعد اختناقه بالغاز. ثم هرع المسعفون وهم يحملونه هابطين من الجسر ويضعونه في عربة توك توك لنقله إلى مستشفى قريب.

وتحيط بعلي مجموعة مترابطة من عشرة أفراد يخيمون تحت الجسر منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول.

وتتقد المجموعة حماسا بفعل ما أريق من دماء. كثيرون منهم خرجوا من أفقر أحياء بغداد حيث يعملون سائقي توك توك أو عمالا باليومية.

ورغم ثروة العراق النفطية يعيش عدد كبير من أفراد الشعب في فقر ولا تتوفر لهم المياه النقية والكهرباء والرعاية الصحية أو التعليم إلا بقدر محدود. ويقول المحتجون إن الفساد هو السبب.

وقال عراقي اسمه عباس امتنع عن ذكر اسم عائلته "16 سنة (وهم) يقولون إن حياتنا راح تتحسّن".

وأضاف أنه من مواليد عام 2000 "واشتغل من عمر 10 (سنوات) وما عندي أكثر من 5000 دينار بجيبي".

وتم القبض على عباس في الموجة الأولى من الاحتجاجات مع علي وآخرين من أفراد المجموعة. وقالوا إنه تم فحص هواتفهم للتعرف على رفاقهم من المحتجين. وأفرجت السلطات عنهم بكفالة وقيل لهم إن عليهم تجنب المظاهرات.

وقال علي "عدت للمظاهرات... لازم نبقى هنا لتستمر الثورة".

ويقول المحتجون إن الكثير من الإصابات في صفوفهم ناتجة عن استخدام قوات الأمن لعبوات الغاز المسال والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي. وكان بعضها يطلق من زوارق في النهر.

وأضاف علي أن الخطر يشتد كثيرا في الليل، مشيرا إلى أن قوات الأمن ألقت البنزين على المخيم قبل بضع ليال في الثالثة صباحا ثم ألقت قطعا من القماش المشتعل. ويظهر مقطع فيديو متداول القطع المشتعلة التي سقطت قرب مجموعة من الصبية النائمين.

والآن يقف الصبية للحراسة في نوبات.

وقال علي "الثواني وقت ما نترك هذا الجسر تنزل الحكومة على ساحة التحرير وتخلي المظاهرات".

وأضاف "حتى لو رموا أي شي علينا ما رايحين لأي مكان".

وفي البصرة التي تبعد 550 كلم جنوبا عن بغداد، قال شهود عيان الثلاثاء، إن أربعة متظاهرين قتلوا وأصيب أكثر من مئة آخرين الثلاثاء، عندما فتحت القوات الأمنية الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع لتفريق متظاهرين عند بوابات ميناء أم قصر التجاري.

وذكر الشهود أن "القوات الأمنية سارعت إلى الانسحاب بعد إصرار المتظاهرين على مواصلة الاعتصام في مواقعهم وقطع الطرق أمام حركة الشاحنات".

ويعد ميناء أم قصر التجاري، الكائن شمالي الخليج المحاصر منذ أيام، من قبل المتظاهرين من أهم موانئ العراق ويستقبل يوميا عددا كبيرا من البواخر المحملة بالسلع والبضائع.

من جانب آخر استأنف ميناء خور الزبير عمليا استقبال البواخر بعد أن شهد إغلاقا من قبل المتظاهرين.

وأفاد بيان عراقي اليوم الثلاثاء، بأن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي عقد الليلة الماضية اجتماعا بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ووزيري الدفاع والداخلية وعدد من القادة الأمنيين، لبحث تطورات الأوضاع والإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والنظام في البلاد.

وقال بيان للدائرة الإعلامية للحكومة العراقية "تم خلال الاجتماع تأكيد دعم السلطتين القضائية والتشريعية لجهود الحكومة والأجهزة الأمنية بفرض الأمن والاستقرار في عموم البلاد وحماية المتظاهرين والممتلكات الخاصة والعامة والمنشآت الاقتصادية وضمان انتظام العمل والدوام وانسيابية حركة المواطنين".

وأعادت السلطات صباح الثلاثاء، خدمة الانترنت إلى العاصمة بغداد ومحافظات أخرى في وسط وجنوبي البلاد إثر قطعها بشكل جزئي لساعات ليل الاثنين الثلاثاء، بعد ساعات من وقوع مواجهات قرب مقار حكومية في العاصمة.

وقالت منظمة "نيت بلوكس" للأمن الإلكتروني إن "هذا القطع الجديد هو أسوء القيود التي فرضتها الحكومة العراقية منذ بداية التظاهرات" في الأول من تشرين الأول/أكتوبر.

وكانت السلطات قطعت الإنترنت لمدة أسبوعين الشهر الماضي، وشددت الخناق على شبكات التواصل الاجتماعي التي لا تزال محجوبة حتى الآن، إلا من خلال استخدام تطبيقات "في بي أن".

وبينما اتخذت الموجة الثانية من الاحتجاجات المطالبة بـ"إسقاط النظام" والتي استؤنفت في 24 تشرين الأول/أكتوبر طابع العصيان المدني السلمي، إلا أن الاثنين اتسم بالعنف بشكل واضح.

واندلعت ليل الأحد الاثنين أعمال عنف في كربلاء المقدسة لدى الشيعة، عندما حاول متظاهرون حرق مبنى القنصلية الإيرانية.

وأطلقت قوات الأمن المسؤولة عن حماية المبنى الرصاص الحي تجاه المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل أربعة منهم، وفقا لكوادر الطب العدلي في المدينة التي تبعد مسافة مئة كيلومتر إلى جنوب بغداد.

وبعد ذلك، استخدمت القوات الأمنية الرصاص الحي ضد متظاهرين احتشدوا قرب مقر تلفزيون "العراقية" الحكومي في وسط بغداد. ودارت مواجهات مع المتظاهرين الذين رشقوا القوات الأمنية بالحجارة.

وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع على الطريق المؤدي إلى السفارة الإيرانية، ومقر وزارتي الخارجية والعدل في وسط العاصمة. وأفادت مصادر طبية وأمنية عن إصابة أكثر من 30 شخصاً بجروح.

ويتهم جزء كبير من الشارع العراقي إيران بالوقوف خلف النظام السياسي الذي يعتبرونه فاسداً ويطالبون بإسقاطه.

وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون بـ"إسقاط النظام" خلال الأيام الماضية على إيران، صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق، إلى جانب الولايات المتحدة التي لم يشر إليها المحتجون خلال التظاهرات، وهي بدورها لم تبد تفاعلاً تجاه الأزمة الحالية في البلاد.

وأججت الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني للعراق غضب المحتجين، إلى جانب تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي عن وجود "مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة".