ثاني أكبر كتل البرلمان التونسي تنسحب من مشاورات حكومة النهضة

التيار الديمقراطي وحركة الشعب يعلنان علن انسحابهما من مشاورات تشكيل حكومة الحبيب الجملي ما يعقد الأمور أكثر أمام حركة النهضة الإسلامية التي ترفض أغلب الأحزاب شروطها لمشاركتها الحكم.

تونس - أعاد التيار الديمقراطي وحركة الشعب مشاورات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة إلى المربع الأول غداة إعلان رئيس الحكومة المكلف من حركة النهضة الإسلامية الحبيب الجملي عن اتفاق حول جميع المسائل الخلافية بين الأحزاب المعنية بالائتلاف الحكومي.

وقال التيار الديمقراطي في بيان بعد اجتماع مكتبه السياسي الأحد إنه لم يشارك في حكومة الحبيب الجملي "استنادا إلى أن تصوّرها العام لا يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة على البلاد وفقا لتقديرات الحزب".

وأضاف الحزب "إذ تفاعل التيار الديمقراطي بجدية وإيجابية أثناء كل جولات النقاش رغم أجواء عدم الثقة التي ترسّخت بتذبذب مواقف بعض الشركاء وتقلبها، فإنه يذكر بأنه لم يتلق أي عرض جدي يوضح دوره في الحكومة إلا يوم 16 من الشهر الجاري استأنف على إثره المشاورات وحدد موقفه اليوم بعد ستة أيام وأعلم به السيد رئيس الحكومة المكلف".
ودعا التيار الديمقراطي إلى أن تتشكيل الحكومة في أقرب وقت متمنيا لها ولرئيس الحكومة المكلف التوفيق في مهامها، معلنا أنه سيعمل على أن يكون معارضة نزيهة وجدية ومسؤولة.

وحسم التيار الديمقراطي أمره بعد اللقاء الذي جمع أمينه العام محمد عبو أمس السبت، برئيس الحكومة المكلف حبيب الجملي وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية ورئيس البرلمان في نفس الوقت، ويوسف الشاهد رئيس حكومة تصريف الأعمال (حزب تحيا تونس)، وزهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب .

من جهته قال المغزاوي خلال مؤتمر صحفي اليوم الأحد، إن حركة النهضة اشترطت عدم طلب وزارات معينة تهتم خاصة بالاقتصاد والتنمية، مشيرا إلى أن الرفض كان يشمل عدم التفاوض حول 10 وزارات معينة في قطاعات استراتيجية من بينها وزارة الطاقة والنقل والصحة والفلاحة والتجارة وغيرها.

ولم يكن قرار التيار الديمقراطي (22 نائبا) وحركة الشعب (15 نائبا) وهما ثاني أكبر الكتل في البرلمان،  بإعلان رفضهما شروط النهضة قرارا مفاجئا، حيث سبق وأن تبادلا الاتهامات بشأن المسؤولية عن إبطاء ظهور التشكيل الحكومي.

كما سبق وأن انسحب الحزبان من المشاورات معلّلين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية أو "غياب الجدية" قبل أن يعلنا موافقتهما المبدئية على استكمال المشاورات مع الجملي.

وأوضح المغزاوي أن "النهضة تريد أن تحكم على طريقة 2011، يعني إنها تقود المرحلة القادمة في البلاد فيما نكون نحن مجرد طرف في هذه الحكومة"، مشيرا إلى أن هذه الطريقة تريد النهضة من خلالها تحميل المسؤولية للأحزاب التي تشاركها في الحكم في حال فشلت تمام مثلما فعلت ذلك مع كل الأحزاب التي تحالفت معها في السابق.

وأكدت حركة الشعب أنها ترى أن تونس تحتاج لمقاربة جديدة تتماشى مع المستجدات السياسية والاقتصادية الحالية، فيما تصر النهضة على مقاربة القديمة التي اعتمدتها في السابق وهو ما ينذر بفشلها ولا يلبي رؤية معارضيها.

ولم تغلق حركة الشعب التي لا تزال تؤكد مع التيار على مطلبها بتولي شؤون وزارة العدل ووزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري بصلاحيات كاملة، باب العودة إلى المشاورات حيث أكد المغزاوي على أنه إذا توفرت الشروط المطلوبة ربما تعود للنظر فيها.

وتحدث المغزاوي عن الاختلاف في داخل قيادات النهضة التي "يريد بعضها التفاوض مع حركة الشعب فيما تريد أطراف أخرى التفاوض مع حزب "قلب تونس" الذي وعد الغنوشي بعدم مشاركته في الحكومة بعد الانتقادات الحادة التي طالته على إثر دعمه في الفوز برئاسة البرلمان.

وأمام حركة النهضة في حال اختيار حركة الشعب والتيار الديمقراطي بشكل نهائي قيادة المعارضة، إما تكوين الجملي ائتلافا حكوميا هشا (بدعم من إئتلاف الكرامة المحسوب عليها)، يلقي بالبلاد في أتون أزمة سياسية، أو دعوة حزب "قلب تونس" للمشاركة في الحكومة رغم أن النهضة كررت سابقا رفضها مشاركة حزب القروي في الحكم بدعوى شبهات فساد ضد بعض قياداته.

وأفرزت الانتخابات النيابية منتصف أكتوبر/تشرين الأول الفائت تركيبة برلمانية مشتتة بين الأحزاب، تتقدمها النهضة الإسلامية (52 نائبا) يليها حزب 'قلب تونس' الليبيرالي (38 نائبا) الذي يقودها قطب الإعلام نبيل القروي.

لكن حزب "قلب تونس" أيضا اقترح في مفاوضاته السابقة مع النهضة تسيير عدد من الوزارات السيادية لتنفيذ برنامجه، لكن شروط الحزب الإسلامي جعلت التفاهم بين الحزبين كما مع أحزاب أخرى أمرا مستبعدا.

ويقول مراقبون إن الصراع حول الحكومة تحول حاليا من خارج الأحزاب فيما بينها إلى داخلها، حيث أصبحت "غنائم" الوزارات تحدث انقسامات وصراعات تنبئ بتخوف كبير من المسؤولية التي ستضع كل حزب أمام إمكانياته الحقيقية.

وأكد المغزاوي خلال المؤتمر الصحفي أنه تساءل "عن سبب تغيب "ائتلاف الكرامة" حليف النهضة عن المشاورات إلا أن الغنوشي أكد له أن اتفاقا مع نوابه قد تم سابقا ولا يوجد أي مشكل في ذلك"، وهي خطوة يقول المغزاوي إنها تشير إلى الاتفاق على التصويت للحكومة في البرلمان أيا كانت الأسماء التي ستشارك فيها.

وتحتاج حكومة الجملي أن تحصل على 109 أصوات (من مجموع 217) حتى تتم المصادقة عليها في مجلس نواب الشعب.

ومنذ تكليف الجملي في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية والشخصيات النقابية والكفاءات.تون
غير أن المهلة الدستورية الأوليّة التي يمنحها الدستور لم تسعفه في إتمام مهمته التي تم تمديدها شهرا إضافيا ما ينذر بمهمة صعبة وسط دعوات بالتسريع لأنه إذا فشل في مهامه فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.

وأمس السبت، قال الجملي إن مشاورات تشكيل الحكومة تشهد تقدمًا، وسيتم الإعلان عنها الأسبوع القادم، وفي بدايته على الأرجح.

وأضاف أن "نسبة الحقائب الوزارية التي سيتولاها مستقلون تقارب النصف، وسيُخصص النصف الآخر للأحزاب المشاركة في الائتلاف، مع الاحتفاظ بحقه في الاعتراض على أي مرشح".
وأوضح الخبير الزراعي السابق أن الوزارات الاقتصادية والمالية ستكون من مهام رئيس الحكومة، حتى يتحمل مسؤوليته كمستقل يقود الحكومة، خاصة وأن "التحدي الكبير في تونس هو التحدي الاقتصادي".
وشدد الجملي على أن الحكومة المقبلة "ستكون مقتدرة وذات حزام سياسي صلب".

ومع نهاية الأسبوع الماضي، بدأ تسريب أسماء الوزراء المتفق عليهم للمشاركة حكومة تضم عددا كبيرا من الوزراء أغلبهم من الشخصيات المثيرة للجدل، والتي لا تكتسب خبرة سياسية كبيرة تحتاجها البلاد في ظل الفترة الصعبة التي تمر بها.

وعبّر عدد من النشطاء في المجتمع المدني والسياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم وامتعاضهم من هذه الاختيارات الحزبية الضيقة التي تعكس سياسة "الغنائم" التي دأبت حركة النهضة على اعتمادها في السابق خلال حكم الترويكا لإرضاء قواعدها والأحزاب المتحالفة معها.

وبعد إعلان التيار الديمقراطي وحركة الشعب عدم مشاركتهما في حكومة الجملي، توعد جوهر بن مبارك، الذي قاد الوساطة بين الفاعلين في المشاورات بين الأطراف السابقة، بكشف تفاصيل المشاورات للرأي العام، في خطوة تصعيدية أثارت غضب نشطاء على فيسبوك وصفوا بن مبارك بـ"حليف النهضة الجديد الذي سيلقى نفس مصير المتحالفين معها والذين غادروا الحياة السياسية دون رجعة بسبب سياسة القطيع التي استخدمتها معهم.

وكتب على فيسبوك "عندما تتضح الصورة سأقدّم لعموم الشّعب شهادتنا على مجريات الأمور وتقييمنا للمفاوضات و مجرياتها سنوضّح كلّ شئ لإنصاف الناس. نحن نشتغل في العلن و لن نخفي الحقائق مصير البلاد مسؤولية وطنية ثقيلة و ليست لعبة أمزجة".

وتساءلت الإعلامية والأستاذة الجامعية التونسية سلوى الشرفي حول المشاورات التي يقودها بن مبارك مع حكومة الجملي، على صفحتها عبر فيسبوك قائلة "جوهر بن مبارك موش كلا طريحة (ألم يتم ضربه) من عند النهضة وروابط الثورة في قبلي عام 2012؟".

وهي إشارة إلى اتهامات سابقة لـجمعية "شبكة دستورنا" لقيام عناصر من حركة النهضة وسلفيين بالإعتداء على بن مبارك حين كان رئيسها في أبريل 2012 في محافظة قبلي.

وأوضحت الشرفي أن "هذه خطة الغنوشي الأصلية لتعجيز التيار والشعب لتبرير دخول قلب تونس. في حال رضيت قواعده بذلك".

وأضافت في تدوية أخرى "اللي يدخل تحت جناح النهضة يخرج حكة كونسارف (علب حافظة). الأحزاب الكل استوعبت الدرس إلا قلب تونس لأنه ناوي يحول النهضة إلى حكة كونسارف. أنا يظهرلي باش يعجنو بعضهم للاثنين".

ويرجع أغلب التونسيين المصاعب الاقتصادية التي تمر بها تونس إلى القرارات الخاطئة التي اتخذتها النهضة منذ دخولها دواليب الحكم بعد نهاية نظام زين العابدين بن علي في 2011، حيث أثقلت قراراتها ومقترحاتها الدولة التونسية بديون كبيرة رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.

وتسود الشكوك داخل الطبقة السياسية والأطراف الاجتماعية في تونس حول إذا كانت أي حكومة بقيادة النهضة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة خاصة في الملفات الاقتصادية والاجتماعية كونها كانت شريكة في الحكم منذ 8 سنوات ولم تقدم أي حلول بل فشلت في كل الحكومات المتعاقبة حتى في تلبية أبسط وعودها الانتخابية.