الرئيس العراقي يفضل الاستقالة على تكليف مرشح مدعوم من إيران
بغداد - رفض الرئيس العراقي برهم صالح اليوم الخميس تكليف مرشح الكتلة البرلمانية المدعومة من إيران أسعد العيداني، برئاسة الحكومة قائلا إنه يفضل الاستقالة على تعيين شخص سيرفضه المحتجون.
وقال صالح في بيان إنه مستعد لتقديم استقالته إلى البرلمان لأن الدستور لا يمنحه الحق في رفض المرشحين لرئاسة الوزراء.
واستند صالح في كتاب رسمي موجه إلى البرلمان للماد 76 من الدستور التي تلزم الرئيس بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة من دون أن يكون له اعتراض.
وقال رئيس الجمهورية "مع كل الاحترام للأستاذ أسعد العيداني، أعتذر عن تكليفه (...) وبما أن هذا الموقف المتحفظ من الترشيح الحالي قد يعتبر إخلالاً بنص دستوري" لذلك "أضع استعدادي للاستقالة من منصب رئيس الجمهورية أمام أعضاء مجلس النواب".
واعتبر صالح أنه بذلك يضمن "المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه" وفق المواد الدستورية.
وفي برلمان يعد الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث، يدور الجدال حالياً على تحديد الكتلة البرلمانية الأكبر التي تسمي رئيس الوزراء.
ومفهوم الكتلة الأكبر هو الائتلاف الذي يضم أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات، وليس بالضرورة أن تكون اللائحة التي فازت بأكبر عدد من المقاعد بعد الاقتراع.
وتسلم صالح من "تحالف البناء" كتاباً رسمياً بترشيح محافظ البصرة أسعد العيداني، لرئاسة الحكومة، لكن تصعيد المحتجين منذ ليل الأربعاء في محافظات الجنوب وخاصة في البصرة والعاصمة بغداد بسبب تزكيته من إيران، دفع بالرئيس إلى عدم القبول بتلكيفه بتشكيل الحكومة.
و"تحالف البناء" هي الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان العراقي، وهي تضم جميع الأحزاب المؤيدة للسياسات الإيرانية، وتسعى طهران من خلالها وبشتى الطرق للحفاظ على جميع مكاسبها في مواجهة غضب الشارع الثائر منذ ثلاثة شهور بهدف السيطرة على مجريات الساحة السياسية في البلاد.
برهم صالح سبق وأن هدد بالاستقالة من منصبة جراء ضغوط "كبيرة جداً" من قوى سياسية مدعومة من إيران لقبول مرشحها قصي السهيل
ورشح "تحالف البناء" الذي يضم كتلة "الفتح" ويرأسها هادي العامري، بالشراكة مع ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، أسعد العيداني بعد أن رفض الحراك الشعبي ترشيحها السابق لعضو البرلمان محمد شياع السوداني، وأيضا وزير التعليم العالي في الحكومة المستقيلة قصي السهيل.
وواجهت هذه الأسماء التي زكتها أحزاب موالية لإيران لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي الذي أسقطته الاحتجاجات، رفضا قاطعا من قبل الشارع الثائر.
وصباح اليوم الخميس، أعلنت اللجنة المنظمة للتظاهرات رفضها ترشيح العيداني لرئاسة الحكومة، محملين إياه المسؤولية عن قتل المتظاهرين في البصرة.
وقالت اللجنة في بيان إن "الشعب العراقي يرفض ترشيح (أسعد العيداني) محافظ البصرة المسؤول عن قتل المتظاهرين في البصرة وعن انتهاكات صارخة ضد أبناء المحافظة".
كما وصفته بأنه "أحد الفاسدين الذين خرجت ثورة تشرين ضدهم وطالبت بمحاكمتهم، وهو المشرف على تقسيم واردات الموانئ للأحزاب الفاسدة، وهو أحد أدوات وأذرع إيران في العراق".
وأغلق متظاهرون الخميس طرقاً بعضها بإطارات سيارات مشتعلة، في بغداد ومدن في الجنوب وسط احتجاجات غاضبة ضد السياسيين الذين لازالوا يسعون لاقتسام غنيمة المناصب عن طريق رئاسة الوزراء في البلاد بعد ثلاثة أشهر من احتجاجات خلفت حصيلة دموية غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث.
والعيداني الذي يشغل منصب محافظ البصرة، معروف بعلاقته المقربة بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وقالت اللجنة المنظمة للتظاهرات أن "ثورة تشرين قدمت مئات الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى لإسقاط الأحزاب الفاسدة جميعها بنظامها المقيت، نظام المحاصصة الطائفية والحزبية، ليس ليخرج علينا الفاسدون بترشيح (أسعد العيداني) لرئاسة الحكومة".
وسبق لبرهم صالح أن لوح بالاستقالة من منصبة جراء ضغوط "كبيرة جداً" من قوى سياسية مدعومة من إيران لقبول مرشحها قصي السهيل لرئاسة الحكومة المقبلة.
وكشف مصدر من مكتبه منذ أيام في تصريح صحفي عن أن "ضغوطا كبيرة جدا تمارس على الرئيس العراقي من محور تحالف البناء ومن يقف خلفه"، في إشارة إلى القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي يقوم منذ أسابيع بزيارات متواترة إلى بغداد.
والعيداني قيادي في حزب المؤتمر الوطني الذي يترأسه حاليا السياسي الموضوع على قائمة العقوبات الأميركية آراس حبيب.
وعاقبت الولايات المتحدة حبيب، بسبب ضلوع "مصرف البلاد" الإسلامي الذي كان يديره في عمليات غسيل أموال لصالح الحرس الثوري الإيراني. وشغل العيداني شخصيا منصب مدير فرع "مصرف البلاد" في البصرة، مسقط رأسه، قبل أن يتولّى منصب المحافظ.

وكان العيداني من الشخصيات التي لعبت دوراً محوريا في خسارة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي لولاية ثانية العام الماضي بعد احتجاجات الصيف بالبصرة التي راح ضحيتها أكثر من 25 شخصا.
ويرفض المحتجون خصوصاً في جنوب العراق، العيداني الذين يتهمونه بالولاء لإيران والمساهمة في قمع احتجاجات البصرة عام 2018، والعودة إلى مواصلة القمع في الاحتجاجات التي لا تزال مستمرة.
والخميس الماضي، انتهت المهلة الدستورية لتكليف مرشح لتشكيل الحكومة المقبلة، إلا أن رئاسة الجمهورية حددت الأحد الماضي، آخر يوم للمهلة، وذلك من دون احتساب أيام العطل ضمن المهلة الرسمية.
وأجبر المحتجون حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ويصرون على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، وخاصة تدخل إيران في سياسة بلادهم وعلاقتها بالاغتيالات التي استهدفت المتظاهرين منذ مطلع أكتوبر الماضي.
وتصاعدت سحب الدخان خلال ساعات ليل الأربعاء الخميس في سماء مدن بينها البصرة والناصرية والديوانية، وعلى امتداد طرق رئيسية وجسور تقطع نهر الفرات.
وعند الصباح، رفعت الحواجز عن بعض الطرق، بعد ساعات من قطعها لإعاقة وصول الموظفين إلى مواقع عملهم، بينها طريق يؤدي إلى ميناء أم قصر، في أقصى جنوب العراق، ويستخدم للاستيراد بصورة رئيسية.
وسببت هذه القطوعات اختناقات مرورية وشلل على طرق رئيسية داخل وخارج عدد كبير من المدن ، كما هو الحال في العاصمة بغداد التي تعد ثاني أكبر العواصم العربية من حيث عدد السكان.
ففي الناصرية، أحرق متظاهرون مجددا مبنى المحافظة الذي تعرض لحرق خلال الأيام الماضية في حين تشهد المدينة احتجاجات منذ ثلاثة أشهر، كما قطعوا طرقاً وجسوراً مهمة هناك.
وفي الديوانية، أحرق متظاهرون مقراً جديداً لأحد الفصائل المسلحة الموالية لإيران واستمروا بقطع طريق رئيسي يربط المدينة بمدن أخرى في جنوب العراق.
تصاعدت موجة الغضب منذ الأحد، بعد أسابيع من الهدوء ، في ظل حراك جماهيري قوبل بقمع أدى إلى مقتل حوالى 460 شخصاً وإصابة ما لا يقل عن 25 ألفاً بجروح، بسبب تعنت الحكومة ومن خلفها إيران.
ويرفض المتظاهرون في عموم العراق أياً من "مرشحي الأحزاب" السياسية التي شاركت في حكم البلاد خلال السنوات الست عشرة الماضية.
وهتف محتجون في مدينة الكوت، خلال تظاهرة حاشدة الخميس وسط المدينة الجنوبية، "نرفض أسعد الإيراني".
وقال المتظاهر ستار جبار البالغ 25 عاما، متحدثا من الناصرية، إن "الحكومة رهينة الأحزاب الفاسدة والطائفية" وتابع "سنواصل الاحتجاجات " حتى تحقيق مطالبنا.