أردوغان ممزق بين خسارة إدلب ونفوذ مستحيل في طرابلس
أنقرة - يفقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تركيزه ورهاناته شيئا فشيئا فقد وجد نفسه في مفترق الطريق بين خساراته في سوريا بعد سنوات من دعم وتسليح المقاتلين واضطهاد الأكراد، وبين طموحاته المستحيلة في ليبيا، حيث تعود الكلمة الأخيرة للحليف الروسي في كلا البلدين.
واتهم أردوغان اليوم الأربعاء موسكو بعدم احترام الاتفاقات المبرمة مع أنقرة بشأن شمال غرب سوريا، بعد أن أعلن الجيش السوري استعادة مدينة معرة النعمان الإستراتيجية التي كان تسيطر عليها فصائل مقاتلة وجهادية، بعد أسابيع من العمليات العسكرية.
وقال أردوغان وفق ما نقلت وكالة أنباء "الأناضول" الرسمية "مع روسيا أبرمنا هذه الاتفاقات (...) إذا كانت روسيا لا تحترم هذه الاتفاقات، إذاً سنفعل الأمر نفسه. للأسف في الوقت الحالي، روسيا لا تحترمها".
وتقع معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويمر بأبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب وأجزاء محاذية لها في حماة وحلب واللاذقية رغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية في المحافظة الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنشط فيها فصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً.
وأفاد الجيش في بيان بثه التلفزيون السوري "تمكنت قواتنا الباسلة في الأيام الماضية من القضاء على الإرهاب في العديد من القرى والبلدات".
وعدد الضابط الذي قرأ البيان أسماء نحو عشرين مدينة وبلدة بينها معرة النعمان، التي دخلها الجيش الثلاثاء.
وانضمت معرة النعمان في العام 2011 إلى حركة الاحتجاجات ضد النظام في سوريا. وتحولت تدريجياً بتظاهراتها الضخمة إلى أحد رموز الاحتجاج في محافظة إدلب.
ودعم أردوغان فصائل مسلحة في سوريا تحت اسم "المعارضة السورية" قاتلوا للإطاحة بالأسد أثناء الحرب الأهلية المستعرة منذ ثماني سنوات كانت خلالها أنقرة تتمتع بنفوذ كبير خاصة في محافظات إدلب وحلب وحماة. ووصف أردوغان على مدى تلك السنوات من الحرب الأسد بأنه "إرهابي" وطالب بالإطاحة به من السلطة.لكن الحليفة روسيا بالإضافة إلى إيران ساعدت الرئيس السوري في البقاء على رأس السلطة في دمشق وأقنعت مؤخرا أنقرة بضرورة إعادة علاقاتها مع دمشق، وهي الخطوة التي فسرها مراقبون بأنها تمثل تمهيدا لمقابل وعد به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أردوغان في ليبيا.

وباستعادة كامل محافظة إدلب، ستكون دمشق قد استعادت السيطرة على كامل البلاد تقريبًا، باستثناء المناطق التي يسيطر عليها الأكراد أو القوات التركية والفصائل المقاتلة الموالية لها في الشمال.
ووصلت أخبار سيطرة قوات الأسد على المدينة الاستراتيجية إلى أردوغان وهو على متن الطائرة الرئاسية أثناء عودته من جولة إفريقية بدأها بالجزائر التي تقوم بجهود كبيرة لمنع التدخل الخارجي في جارتها ليبيا، واختتمها في السنغال تزامنا مع سعيه منذ أسابيع للبحث عن حلفاء جدد يدهمون تدخله العسكري السافر على الأراضي الليبية لدعم حكومة الوفاق في طرابلس والميليشيات التابعة لها.
وقال أردوغان "لم يتبق شيء اسمه "مسار أستانة" علينا نحن تركيا وروسيا وإيران إحياؤه مجددا والنظر فيما يمكن أن نفعله".
وأضاف "في حال التزمت روسيا باتفاقي سوتشي وأستانة، فإن تركيا ستواصل الالتزام بهما. روسيا لم تلتزم حتى الآن بالاتفاقيتين".
وأكد الرئيس التركي أن بلاده حاليا تعتبر لاعبا أساسيا على الطاولة في الشرق الأوسط، وهي تصريحات تشير إلى أن اتهامات الرئيس التركي ليست إلا مجرد تصعيد إعلامي دأب على اعتماده للضغط على خصومه كما حلفائه لتحسين شروط مفاوضاته، خصوصا أنه لولا الحليف الروسي ومصالحه في المنطقة لما كانت لتركيا القدرة الكافية على التمادي في استفزاز دول المنطقة.
واحتضنت العاصمة الروسية موسكو منتصف الشهر الجاري اجتماعا مفاجأ جمع اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للأسد، برئيس جهاز الاستخبارات التركي حقان فيدان.
ووصفت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) اللقاء بالثلاثي دون أن تحدد الشخصيات التي مثلت الجانب الروسي فيه.
ونقلت عن مملوك تأكيده لرئيس الاستخبارات الروسية عزم النظام على السيطرة على كل منطقة محافظة إدلب وإعادة سلطته إليها.
ورجح مراقبون أن تكون أنقرة قد حصلت خلال هذا اللقاء على وعود روسية بتهيئة الظروف لها في ليبيا مقابل تسليم محافظة إدلب وترك الفصائل السورية أمام مصيرهم.
وقد بدأ هذا السيناريو يتأكد بعد قيام تركيا بتحركات حثيثة في الأسابيع الأخيرة لنقل المئات من المقاتلين السوريين الموالين لها إلى ليبيا عبر رحلات سرية من مطار إسطنبول بعد أن أعلنت رسميا تدخلها العسكري في ليبيا لدعم حكومة فائز السراج في طرابلس.
وفجر اليوم الأربعاء، أكدت تقارير وصول جنود أتراك إلى ميناء طرابلس على متن مدمرتين حربيتين تركيتين تحملان اسم "غازي عنتاب" و"قيديز"، كما تم نقل عتاد عسكري وذخائر إلى قاعدة معيتيقة الجوية وسط العاصمة طرابلس، في تصعيد خطير منذ بدء تركيا إرسال جنود ومرتزقة لدعم ميليشيات حكومة السراج في ليبيا.
ورافقت المدمرتين سفينة شحن قامت بإنزال دبابات وشاحنات عسكرية، وذلك رغم تعهد أردوغان خلال مؤتمر برلين بعدم التدخل في ليبيا أو إرسال قوات أو مرتزقة.