روسيا تنضم لفرنسا وتدعو واشنطن للجم أردوغان في ليبيا

وفد من البرلمان والجيش الليبي يقوم بمباحثات مع ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو على ضوء التطورات الاخيرة في ليبيا بعد أن ألغت موسكو زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان إلى إسطنبول.

موسكو - نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزير الخارجية سيرجي لافروف قوله اليوم الأربعاء إن موسكو سترحب باستخدام واشنطن نفوذها للمساعدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا بعد أن رفضت حكومة الوفاق المدعومة من تركيا ذلك.

وليبيا منقسمة منذ 2014 بين الحكومة المعترف بها دوليا التي تسيطر على العاصمة طرابلس وشمال غرب البلاد وبين الشرق الذي يديره البرلمان ويخضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من بنغازي.

وشرع الجيش الليبي العام الماضي في هجوم لاستعادة العاصمة من الميليشيات والإرهابيين، لكن حكومة الوفاق استنجدت بتركيا لانقاذ نفوذها وشرعنت لها التدخل عسكريا في ليبيا، حيث أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلاح والمرتزقة السوريين الموالين لأنقرة لدعم حكومة فائز السراج بعد توقيعه لاتفاقية بحرية وعسكرية لترسيم الحدود البحرية تسمح لتركيا بالتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط.

وكانت واشنطن في السابق اعلنت مساندتها عملية حفتر للقضاء على الإرهابيين والمتطرفين في طرابلس لكنها لم تقدم الدعم له ثم عادت للحديث عن حل سلمي ترعاه الأمم المتحدة التي تعترف بحكومة الوفاق.

وواتسم موقف الولايات المتحدة بالغموض واللامبالاة منذ أن رجح التدخل التركي والدعم العسكري الضخم الذي قدمه أردوغان ميدانيا من أسلحة ومرتزقة في ليبيا الكفة لصالح حكومة الوفاق وميليشياتها غرب طرابلس، ما دفع بتركيا لعقد صفقة مع روسيا التي تدعم الجيش الليبي على غرار ما حصل في سوريا. 

لكن الخلافات في وجهات النظر وتباين المصالح بين الكرملين وأنقرة ظهرت للعلن بعد أن ألغت موسكو بشكل مفاجئ زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان إلى إسطنبول لإجراء مباحثات حول ليبيا الأحد.

وأكدت الخارجية الروسية في بيان أن موعد الاجتماع الذي من المقرر أن يعقد بين لافروف وشويغو ونظيريهما التركيين مولود تشاووش أوغلو وخلوصي آكار، سيتم تحديده لاحقا بعد مشاورات إضافية.

وتحدثت مصادر دبلوماسية عن فشل محاولات تشاووش أوغلو حتى اللحظات الأخيرة لإقناع لافروف بالحضور إلى إسطنبول، مشيرة إلى أن الخلافات حول الملف الليبي بين الجانبين بدت أعمق من التوصل إلى صيغة لعقد مثل هذه المباحثات.

في المقابل توجه وفد من البرلمان والجيش الليبي إلى روسيا هذا الأسبوع لإجراء مباحثات على ضوء التطورات الحالية.

وقال ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي إنه عقد أمس الثلاثاء لقاء مع وفد تابع لحكومة عبدالله الثني في شرق ليبيا وممثل قوات الجيش الليبي.

وصرح بوغدانوف لوكالة سبوتنيك الروسية بأن المجتمعين بحثوا سبل الخروج من الأزمة الليبية وجوانب تسوية النزاع، وأشار إلى أن اللقاء استمر أربع ساعات.

وتظهر هذه المفاوضات بين الجيش الليبي والبرلمان في الشرق وروسيا رفض الأخيرة الأطماع التركية المتزايدة في ليبيا خصوصا إنها دفعت حكومة الوفاق لرفض المبادرة المصرية التي دعت إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات.

وحسب مصادر مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا فإن أردوغان رفض مقترحات وقف إطلاق النار تقدمت بها روسيا على غرار المبادرة المصرية منذ أيام علاوة عن زيادة حدة التناقضات بين الطرفين فيما يخص ملف إدلب شمال سوريا.

hg
تركيا تضغط معولة على تواجدها العسكري المتنامي عل الميدان في ليبيا

وواصلت ميليشيات الوفاق إرسال التعزيزات إلى مدينة سرت (450 كيلومترا شرق طرابلس) الساحلية الغنية بالنفط، بعد ان اعترف أردوغان وبشكل واضح خلال تصريحات صحفية الأسبوع الماضي إن المدينة لها أهمية استراتيجية لأنقرة نظرا لثوراتها الطبيعية الهامة.

وكانت قوات الوفاق تقدمت قبل نحو عشرة أيام مسافة 120 كيلومترا تقريبا، ووصلت إلى أطراف سرت، لكنها واجهت حقول ألغام وتعرضت لغارات جوية للجيش أوقعت خسائر في صفوفها، مما دفعها للتراجع إلى بوابة الثلاثين لتصبح على بعد 50 كيلومترا من وسط المدينة.

ووسط هذا التنافس التركي الروسي في ليبيا اكتفت واشنطن بدور المراقب رغم محاولات أردوغان استمالتها عبر مكالمة أجراها الأسبوع الماضي مع الرئيس دونالد ترامب. وقال أردوغان إنهما اتفقا على "بعض القضايا" بشأن ليبيا.

وانتقدت الولايات المتحدة مشاركة روسيا في الصراع، حيث قال وزير الخارجية مايك بومبيو "حان الوقت ... لجميع الليبيين وجميع الأطراف للعمل كي لا تتمكن روسيا أو أي دولة أخرى من التدخل في سيادة ليبيا من أجل أهدافها الخاصة"، في إشارة إلى تركيا.

ويهدد الدور التركي المتنامي عسكريا في ليبيا المصالح الأميركية كما يمس أهدافاً حيوية لشركائها الإقليميين والدوليين، في حال نفذ أردوغان مخططه للحصول على ثروات شرق المتوسط.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي يضغط على حلف شمال الأطلسي (تركيا عضو فيه) لوقف الدعم العسكري الذي تقدمه تركيا لحكومة الوفاق واستنكرت الرئاسة الفرنسية بشدة التدخلات التركية في ليبيا، ووصفها بغير المقبولة.

وقال الإيليزيه في بيان له أمس الثلاثاء إن الرئيس إيمانويل ماكرون تحادث مع نظيره الأميركي دونالد ترامب بشأن التدخلات التركية واعدا بالتحرك خلال الأسابيع القادمة.

واعتبرت فرنسا أن تركيا تستغل وضعها ضمن حلف الناتو، مشددا على أن هذا أمر ترفضه باريس وسوف تناقشه مع أعضاء الحلف الفاعلين في الملف.

وأضاف الإيليزيه أن "الأتراك يتصرفون بطريقة غير مقبولة من خلال الاستفادة من الناتو وفرنسا لا يمكنها التغاضي عن هذا".

ويربط مراقبون الخلاف بين موسكو وأنقرة بالخطاب الناري الذي أطلقته باريس ضد التدخل التركي المتنامي في ليبيا ما يرجح حدوث توافق فرنسي روسي لوضع حد له.

وتتوافق هذه الرؤية مع مبدأ روسيا الرئيسي الذي يدعو لمشاركة كل الأطراف الليبية في الحياة السياسية والمفاوضات، وهو نفس المبدأ التي دعمه فرنسا لكن تركيا تريد فرض شروطها عبر اقصاء قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر من العملية السياسية لما يمثله من تهديد لمصالحها.