كاتبة جزائرية تضع الضمير الاستعماري أمام حقيقته البشعة

ناهد بوخالفة تتناول في روايتها "اعترفات مجرم حب" أحداثا واقعية شهدتها مدينة تبسة خلال حرب التحرير الكبرى.
استحضار شخصية جندي فرنسي شارك في الحرب ولم يكن راضيا عن وضعه
الرئيس الفرنسي ماكرون يريد أن يتميز بمشروع مصالحة مع أرشيف مخز لفرنسا

في روايتها الجديدة - «اعترافات مجرم حب» الصادرة حديثا في 160 صفحة ـ عن دار «كالاما» للنشر والتوزيع - تناولت الكاتبة الجزائرية ناهد بوخالفة أحد أوجه التاريخ الاستعماري من خلال سردها لقصة جندي فرنسي دفعت به الأقدار أن يكون ضمن جيش الاحتلال ـ إبّان الحرب في الجزائر ـ حيث يعايش ـ على أرض الواقع ـ أعمالا وحشية استهدفت أهالي مدينة «تبسة» الواقعة شرقي البلاد ـ ويعايش لاحقا آلام الذاكرة.
وتعدّ رواية «اعترافات مجرم حب» العمل السردي الثالث في رصيد الكاتبة ناهد بوخالفة ـ بعد «رسائل أنثى» (2015) و«سيران: وجهة رجل متفائل» المتوجة ـ في عام صدورها (2018) ـ بجائزة أفضل رواية باللغة العربية ضمن مسابقة أدبية ـ يتم تنظيمها في الجزائر منذ 2015، وتحمل اسم الكاتبة العالمية الراحلة آسيا جبار.
وقد جاء هذا الإصدار ـ لـ بوخالفة المولودة عام 1983 بمدينة «تبسة» ـ في وقت يتميز بحوارات ونقاشات ساخنة تثار باستمرار ـ حول ملف "الذاكرة الاستعمارية" ليس في الجزائر فحسب بل في أوساط النخب الباريسية أيضا، وذلك بعد أن نشر المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا ـ مؤخرا ـ تقريره حول الاستعمار وحرب التحرير الوطنية. 

novel

إدانة الذات
تناولت بوخالفة في روايتها أحداثا "واقعية" شهدتها مدينة «تبسة» خلال حرب التحرير الكبرى، لكن، في فترة زمنية محدودة (1957 – 1958)، من خلال استحضارها لشخصية جندي فرنسي شارك في الحرب ولم يكن راضيا عن وضعه هناك، لكنّ الأقدار رمت به في قلب أحداث دامية تنتهي مشاهدها المرعبة بأن يكون ـ هو ذاته فيها ـ سببا مباشرا في مقتل مواطنين جزائريين أبرياء، لتلازمه بعد ذلك أزمة نفسية حادة تجبره على إدانة ذاته.
وتتطور حالة هذا الجندي ـ الحامل في ذاته صفة المجرم ـ بأن يسترجع يومياته الماضية وذكريات الطفولة التي تشكلت عبرها شخصيته، ويحاول جاهدا إيجاد أسباب ذاتية تساعده على التملص من آلامه الداخلية ومعالجة شعوره الحاد بتأنيب الضمير، لكنه يفشل تماما فينهار ويتخذ بعد ذلك قرارا حاسما لإنهاء مأساته.
لقد صورت بوخالفة في معظم أجزاء هذه الرواية وحشية الاستعمار الفرنسي والاضطهاد الذي مارسه ضد الجزائريين، فضلا عن كفاح الأهالي ونضالهم المستميت هناك بالرغم من شح الوسائل، كما استوحت ـ في سياق سردها ـ على لسان الجندي الفرنسي «فيليب» ـ بعض المشاهد المؤثرة من قصص واقعية انتهت باستشهاد أبطال وبطلات بنيران "العدو" ـ أو عبر محاكمات ظالمة ـ لكن دون أن تذكر ـ الكاتبة ـ الأسماء الحقيقية لهؤلاء، وقد عللت ذلك بقولها: "إن ذكر اسم واحد يتطلب مني تأليف رواية كاملة"، وأضافت: "لم أشأ أن أظلم التاريخ بالدخول في تفاصيل لا تخدم السياق العام للنص".
ومن بين القصص التي ضمنتها بوخالفة في روايتها «اعترافات مجرم حب»، قصة استشهاد الجزائرية بن جدة مهنية، والتي يطلق عليها المؤرخون لقب «البطلة العذراء»، وهي من مواليد بلدية «الماء الأبيض» بولاية «تبسة» وقد تعرضت ـ مع رفيقتها الشهيدة عائشة ـ لأبشع أنواع التعذيب لمدة 8 أيام على يد ضباط فرنسيين وهي لا تتجاوز 17 عاما وكان ذلك عام 1958.
عار الحقبة الاستعمارية
يذكر أن صدور رواية «اعترافات مجرم حب»، جاء بالتزامن مع اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ـ نيابة عن فرنسا ـ بتعذيب واغتيال الشهيد الجزائري «علي بومنجل» على يد جيش الاحتلال يوم 23 مارس/آذار 1957.
وكان قصر الإيليزيه قد أعلن ـ أن ماكرون استقبل أحفاد المناضل الجزائري علي بومنجل في باريس واعترف لهم بأن فرنسا قتلت جدهم وعذبته، خلال حرب التحرير الجزائرية، وأنه لم ينتحر كما حاولت باريس التغطية على الجريمة في حينها، وقال الإليزيه إن ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف "باسم فرنسا" وأمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء 3 مارس/آذار 2021.

الحقبة الاستعمارية
اعترافات مؤلمة

وقالت الكاتبة بوخالفة ـ في تصريح لها إن "الرئيس ماكرون يريد أن يتميز بمشروع المصالحة مع الأرشيف المخزي لفرنسا... هذا قد يحيطه بهالة من المثالية أمام المجتمع الدولي" وأضافت: "ربما لن يشعر (الرئيس الفرنسي) عبر اعترافاته المتوالية، في قرارة نفسه بالندم إزاء ما فعله أسلافه والذين أدانهم ـ عبر اعترافاته المؤلمة ـ بطل روايتي «فيليب» الذي حاول حسم أمره بالانتحار إلا أن الأقدار اختارت له مسارا آخر، فعاش ليعترف..".