إيران تستشعر خطر منافسة فرنسية على نفوذها في العراق
الموصل - أبدت إيران استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار البنى التحتية في مدينة الموصل شمالي العراق، في خطوة يؤطرها المتابعون ضمن سياق الرد على تصريحات الرئيس الفرنسي وزيارته الأخيرة للموصل ومنها تعهد ببقاء القوات الفرنسية في العراق حتى بعد الانسحاب الأميركي.
وعقد القنصل الإيراني العام في أربيل نصرالله رشنودي مؤتمرا صحفيا مع محافظ نينوى نجم الجبوري في الموصل، أكّد فيه أن الموصل ” تعرضت لدمار كبير بسبب الإرهاب ورغم ما تقدمه الحكومة المحلية إلاّ أن حجم الدمار أكبر بكثير من إمكانيتها، وإيران مستعدة لتقديم الخدمات خصوصا في إطار الإعمار والبناء ولديها قدرات وخبرات كبيرة في هذا المجال”.
وأضاف “نطمح بفتح آفاق للتعاون في المجالات العلمية والاقتصادية وحتى الثقافية مع محافظة نينوى، كما نسعى إلى إقامة معرض يختص بمجال الإعمار والبناء للشركات الإيرانية في الموصل”.
وعلّق متابعون على المبادرة الإيرانية بالقول إنها تكشف مدى امتعاض إيران من التحركات الفرنسية، وهي التي كانت تتحرك بمفردها في الساحة العراقية على مدى سنوات طويلة، بعد أن عزلت العراق عن محيطه العربي، وعملت جاهدة على تحريك أذرعها في العراق من أجل تحجيم الدور الأميركي.
ويتأكد هذا الموقف بالنظر إلى ردة المسؤولين الإيرانيين كما أذرع إيران في العراق من ميليشيات ومسؤولين سياسيين. فقد سبق أن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الاثنين، إن "التضحيات التي قدمتها إيران والمقاومة، مكنت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من التجول في مدينة الموصل العراقية".
وفي ذات التوجه خاطب زعيم ميليشيا بدر هادي العامري الرئيس الفرنسي قائلا بحدّة “ستُخرج قوّاتك من العراق لأن القرار ليس قرارك”، ردا على تصريحه بإمكانية بقاء القوات الفرنسية في العراق حتى بعد الانسحاب الأميركي.
وكانت وكالات الأنباء تناقلت صور الرئيس الفرنسي خلال زيارته للموصل الأحد وهو يتجول بأريحية وثقة في المدينة، حيث زار كنيسة الساعة وجامع النوري اطلع على حجم الدمار الذي لحق بالمدينة والتي مازلت تعاني من مشكلة إعادة الإعمار.
وأعلن ماكرون عن نية فرنسا افتتاح مدارس في المدينة، وطمأن الأقلية المسيحية في الموصل بدعم فرنسا المستمر، بين أمور أخرى منها إعادة الإعمار للمباني التي تعرضت للدمار وافتتاح قنصلية فرنسية في المدينة.
واجتاح تنظيم داعش نينوى صيف عام 2014، وكانت الموصل مركز المحافظة أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم على الإطلاق في العراق.
واستعادت القوات العراقية بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مدينة الموصل من قبضة التنظيم عام 2017، بعد معارك عنيفة استمرت قرابة 10 أشهر وتسببت بتدمير أجزاء واسعة من المدينة.
ولا يزال ركام الحرب والمنازل والأبنية المدمرة تغطي المدينة وسط ضعف الإمكانات المالية الحكومية لإعادة الإعمار.
وقال نجم الجبوري “نحن نعمل بجد لإعادة إعمار الموصل لكن الإمكانيات المادية لا تساعد بذلك، ونعمل بما هو متوفر”، مؤكدا “استعداد محافظة نينوى للتعاون مع أي جهة تريد تسريع عجلة الإعمار ومحو آثار الحرب”.
ويمكن لملف إعادة الإعمار أن يشكل بابا لدخول منافسين لإيران في الساحة العراقية، خاصة بعد أن تصاعد التذمر من السياسات الإيرانية التي تجعل العراق مرتهنا لطهران لا فقط من حيث سيطرتها على القرار السياسي وعبر ميليشيات الحشد الشعبي بل أيضا من حيث الجوانب الاقتصادية وتأثيراتها على الجوانب الاجتماعية والحياة المعيشية.
ويذكر المتابعون كمثال على ذلك أزمة الكهرباء التي تعود في جزء منها إلى إيران التي خفضت إمدادات الغاز الطبيعي الذي يحتاجه العراق لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
ويعيش العراق صعوبات وأزمات بدءا من الكهرباء التي يعتمد في توفيرها لسكّانه بشكل كبير على الجارة إيران وصولا إلى تدهور البنى التحتية والخدمات والأزمة الاقتصادية مع تراجع أسعار النفط وتفشي وباء كورونا فضلا عن التوتر الأمني.
وأجمعت الدول المشاركة في مؤتمر بغداد لتعزيز التعاون والشراكة على أهمية دعم العراق خلال المرحلة المقبلة والمساهمة في إعادة إعماره.
ورغم صعوبة اختراق الهيمنة الإيرانية في العراق، يؤكد متابعون أن الوضع يستدعي قلقا إيرانيا خاصة بعد أن أظهرت القوى الإقليمية، كما فرنسا، مراجعة لسياستها مع العراق بعد أن انسحبت منه في 2003 تاركة المجال فارغا لإيران، وأبدت دعما لمساعدة العراق في حل أزماته، وهو دعم وإن كان محدودا في الوقت الراهن إلى أنه يكفي ليعطي دفعا جديدا للعراقيين المعارضين للاحتلال الإيراني لبلادهم.
ثم إن بغداد تسعى لتطوير علاقاتها الإقليمية والخارجية ورفع مستويات التعاون في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها العراقيون وفي ظل تفكير في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي وهل يمكن أن تكرر الميليشيات الشيعية سيناريو طالبان في أفغانستان وتطبق سيطرتها المطلقة على البلاد بشكل أخطر مما هو عليه الوضع اليوم.