الانقلابيون في مالي يرفضون انسحابا فرنسيا على مراحل
باماكو/باريس - طلبت المجموعة العسكرية الحاكمة في باماكو الجمعة من فرنسا سحب جنودها "فورا" من مالي غداة إعلان باريس وشركائها انسحابا على مراحل في الأشهر المقبلة.
واعتبر الناطق باسم الحكومة التي شكلها العسكريون الانقلابيون الكولونيل عبدالله مايغا في بيان أذاعه التلفزيون الوطني، إعلان الانسحاب الفرنسي" انتهاكا فاضحا" للاتفاقات بين البلدين. وقال إن نتائج الوجود العسكري الفرنسي مدة تسع سنوات في مالي "لم تكن مرضية".
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة أن فرنسا ستسحب قواتها من مالي "بطريقة منظمة"، وذلك ردا على طلب المجلس العسكري الحاكم في باماكو أن ترحل القوات الفرنسية "بدون تأخير".
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي بعد قمة في بروكسل إن "الجنود الفرنسيين سينسحبون بطريقة تخولهم الاستمرار في تأمين حماية لبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) وقوات أجنبية أخرى في البلاد"، مضيفا "لن أساوم لأي لحظة" على أمنهم.
وتوترت العلاقات بين مالي وفرنسا بعد تمديد المجلس العسكري إلى خمس سنوات أخرى المرحلة الانتقالية التي كان قد تعهد بها.
وفور وصوله إلى السلطة، راهن ماكرون على إنشاء قوة لمكافحة الجهاديين من قبل الدول الخمس في مجموعة الساحل لتمهيد الطريق لإنهاء عملية برخان. لكن عندما حان وقت البداية، تبخر هذا الأمل إلى حد كبير.
وزار ماكرون باماكو في الثاني من يوليو/تموز 2017 لقمة أطلقت خلالها مجموعة دول الساحل الخمس رسميا قوتها المشتركة لاستعادة الأرض التي خسرتها، من الجماعات الجهادية ولا سيما في "منطقة الحدود الثلاثة" بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الدول الأعضاء في هذه المنظمة الإقليمية إلى جانب موريتانيا وتشاد.
وتضم هذه القوة المنظمة في ثلاثة ممرات أو "مناطق" يبلغ طولها مئة كيلومتر على جانبي الحدود المشتركة وتضم رسميا ثماني كتائب أي نحو خمسة آلاف رجل يتمركزون جميعهم في بلدانهم، باستثناء كتيبة تشادية منتشرة في النيجر منذ مارس/اذار 2021.
ومنذ البداية، تؤمن برخان التي أعلنت فرنسا انسحابها من مالي الخميس تخطيط وتنسيق كل عمليات قوة دول الساحل الخمس التي يمولها الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير حسب لمصادر دبلوماسية وأمنية.
وهذه القوة التي تفتقر إلى وسائل أساسية وإلى تمويل دائم ولا تملك تفويضا قويا من الأمم المتحدة بسبب المعارضة الأميركية البريطانية في مجلس الأمن بينما تواجه اتهامات بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان - إعدامات تعسفية وجرائم اغتصاب -، لم تحدث فرقا يُذكر على الأرض.
ويقول آلان أنتيل المتخصص في منطقة الساحل في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "منذ بدء عملية برخان كان من الواضح أن هناك رغبة لدى الجانب الفرنسي في إيجاد مخرج لأن الإبقاء على عملية خارجية لسنوات أمر معقد بعد فترة وخصوصا مع الرأي العام".
وأضاف أن الوضع المثالي كان أن تتولى الجيوش الوطنية مهام برخان "ولا سيما الجيش المالي، لكنه لا يزال في وضع هش جدا. وكانت فرنسا تأمل بعد ذلك في المساهمة في ضمان أمن بعض المناطق وخصوصا منطقة الحدود الثلاثة".
لكن في هذه المنطقة التي تعتبر "القطاع المركزي" للقوة "اضطرت فرنسا بدلا من أن تكون قادرة على تقليص قواتها تدريجيا، للاحتفاظ بقوة كبيرة إن لم يمكن بذل جهود أكبر في مالي" في بداية 2020، على حد قوله.
وعبرت الأمم المتحدة في تقرير لها في مايو/ايار 2021 عن أسفها لأنه "بسبب محدودية قدراتها التشغيلية واللوجستية، لا تزال القوة المشتركة تواجه صعوبة كبيرة في إمداد قواتها"، مضيفا أن "عدم كفاية المعدات ظل شاغلا يوميا يعيق كفاءة وعمليات الجنود المنتشرين في المعسكرات ويقوض معنوياتهم". وأدانت عدم وجود وسائل جوية "لا غنى عنها".
ومنذ ذلك الحين، أدى عدم الاستقرار السياسي للدول الأعضاء إلى كبح هذه الديناميكية البطيئة أساسا مع انقلاب ثان في مالي في مايو/ايار 2021 وآخر في بوركينا فاسو في يناير/كانون الثاني الماضي.
وانتهت آخر عملية كبرى للقوات قبل عدة أشهر. وجرت عملية أخرى على نطاق أصغر في منطقة الحدود الثلاثة أيضا بمشاركة القوات النيجيرية والتشادية مطلع فبراير/شباط، لكن بوركينا فاسو رفضت المشاركة مشيرة إلى الوضع في البلاد وغياب أوامر من سلطتها العليا حسب مصادر دبلوماسية ومقربة من القوة المشتركة.
واختصر المصدر القريب من القوة المشتركة الوضع قائلا إن "القوة المشتركة اليوم هي في الواقع عمليات تقوم بها فرنسا والنيجر والتشاديون على الجانب النيجيري من الحدود الثلاثة فقط".
من جهته، قال مصدر في الرئاسة الفرنسية "ما زلنا نجري عمليات فعالة مع الماليين والنيجيريين والتشاديين. ومع ذلك فإن الوضع معقد بسبب المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو: فترة تعليق وعدم يقين".
وفي مواجهة الاتفاق الجديد، أعربت باريس نيتها توسيع التعاون الإقليمي. وقال ماكرون الخميس "بينما تظل مجموعة دول الساحل الخمس منتدى أساسيا لتنسيق الجهود عبر قطاع الساحل، يجب أن تصبح مبادرة أكرا التي تضم بوركينا فاسو وساحل العاج وغانا وتوغو وبنين إطارا مرجعيا".
وأوضح أن ذلك لا يهدف إلى "إنشاء بنى إقليمية جديدة بل لضمان قيام كل دولة بدورها وتلقي الدعم الثنائي الذي تحتاجه من الشركاء".