هل انتهى عصر التطبيقات المارقة عن الحكومات مع اعتقال مؤسس تلغرام؟

التحقيق الفرنسي يتهم بافل دوروف وتطبيقه برفض توفير المعلومات اللازمة لعمليات اعتراض المراسلات المصرح بها قانونا وتوفير خدمات تشفي تهدف إلى ضمان السرية من دون إعلان يضمن توافق الخدمات مع التشريعات.

باريس - مدّدت السلطات الفرنسية إلى الأربعاء توقيف مؤسس تطبيق تلغرام روسي المولد بافل دوروف الذي اعتقل في مطار باريسي في إطار تحقيق على صلة بالجريمة المنظمة بينما نفى الرئيس إيمانويل ماكرون الإثنين وجود أي خلفية سياسية للخطوة فيما دخلت الامارات على الخط بسبب جنسيته المزدوجة.

ويعد تطبيق تلغرام واحدا من اكثر التطبيقات تحميلا، مع توقعات بان يصل لنحو مليار مستخدم خلال عام، حيث يضم حاليا 900 مليون مستخدم.

 والتطبيق ينافس منصات مثل واتساب وتيك توك ووانستغرام، وما يميزه عن منافسيه تركيزه على الخصوصية والأمان، اذ يستخدم التشفير الكامل واصبح معروفا بموقفه ضد رقابة الحكومات، وهو ما جعله شعبيا في الدول التي تقيد حرية التعبير.

ويطرح التطبيق نفسه بديلا "حياديا" للمنصات الأميركية التي تعرضت لانتقادات بسبب استغلالها التجاري للبيانات الشخصية للمستخدمين.

ونشط استخدام التطبيق في الحرب بين إسرائيل وغزة بسبب تسامحه مع قنوات لمنظمات او جهات تعتبرها بعض الدول إرهابية، كما أنه يلعب دورا رئيسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وقد استخدمه سياسيون ومعلقون بشكل ناشط من طرفي النزاع.

لكنّ منتقدي التطبيق يتهمونه بنشر محتوى غير قانوني في كثير من الأحيان، بدءا بالصور الجنسية الفاضحة إلى المعلومات المضللة وخدمات المخدرات.

وفي حين يثير توقيف مؤسس تلغرام على الأراضي الفرنسية ردود فعل دولية كثيرة، كتب ماكرون على منصة إكس أن الخطوة "اتّخذت في إطار تحقيق قضائي جار، وليست قرارا سياسيا. الأمر متروك للقضاة".

ووفق السلطات القضائية لم يتّخذ دوروف تدابير للحدّ من إساءة استخدام مشتركين لتطبيق المراسلة، وخصوصا عدم اعتماد آلية للحد من المحتوى المتطرف والتعاون مع المحققين.

وقال مصدر مقرب من الملف إن توقيف دوروف تم تمديده إلى الأربعاء، ليبلغ ما مجموعه 96 ساعة، لأنّ الأفعال المشتبه بها ترقى إلى الجريمة المنظمة.

من جهته، ندّد ماكرون بـ"معلومات كاذبة" تطال فرنسا على خلفية التوقيف، لافتاً إلى أنّ بلاده "متمسّكة إلى أقصى حد بحرية التعبير والتواصل والابتكار وروحية المؤسسة. وستبقى كذلك".

وأضاف "في دولة يسود فيها القانون، على الشبكات الاجتماعية وفي الحياة الحقيقية، تمارَس الحريات في إطار يحدده القانون لحماية المواطنين واحترام حقوقهم الأساسية. إن ضمان احترام القانون متروك للقضاء المستقل".

وأوقف دوروف الذي كان يرافقه حارسه الشخصي ومساعدته ماس السبت في مطار بورجيه (شمال باريس).

ووصل دوروف الذي يقيم في دبي منذ سنوات، إلى باريس قادما من العاصمة الأذربيجانية باكو وكان يعتزم تناول العشاء في العاصمة الفرنسية.

وأودع الملياردير الفرنسي-الروسي البالغ 39 عاما الحبس الاحتياطي في إطار تحقيق قضائي فتحته، إثر تحقيق أولي، الهيئة القضائية الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة (جونالكو)، في 8 تموز/يوليو يتّصل بـ12 جريمة، وفق بيان للمدعية العامة في باريس لور بيكو.

وتشمل التهم رفض توفير المعلومات اللازمة لعمليات اعتراض المراسلات المصرح بها قانونا، والتواطؤ في جرائم والجريمة المنظمة على المنصة (الاتجار بالمخدرات، والمواد الإباحية المتّصلة بالأطفال، والاحتيال وغسل الأموال في إطار مجموعة منظمة) وتوفير خدمات التشفير التي تهدف إلى ضمان السرية من دون إعلان يضمن توافق الخدمات مع التشريعات.

وكلّف قضاة التحقيق المسؤولون عن هذه القضية مركز مكافحة الجريمة الرقمية (C3N) والمكتب الوطني لمكافحة الاحتيال (Onaf) إجراء التحقيقات.

وقال مصدر قريب من الملف إن المحققين استجوبوا حارسه الشخصي ومساعدته ومن ثم أخلوا سبيليهما.

وشدّد تطبيق تلغرام على أن دوروف "ليس لديه ما يخفيه وهو يتنقل كثيرا في أوروبا".

وتابع "من غير المنطقي الادعاء بأن منصة أو مالكها مسؤولان عن سوء استخدام تلك المنصة".

استهداف ام حرية تعبير؟

وحسب مجلة "ذا كونفرسيشن" الأمريكية، قد تكون لهذه الحادثة تداعيات كبيرة تتجاوز حدود تيليغرام؛ لتطال شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم، مما يطرح تساؤلات جديدة حول مستقبل الرقابة الرقمية والسيادة الوطنية على الفضاء الإلكتروني.

يعتبر البعض أن استهداف السلطات الفرنسية لدوروف يمثل هدفًا غريبًا، خاصة في ظل وجود تطبيقات أخرى مثل واتساب، التي تتمتع بتشفير مماثل، بينما تزداد استفزازات خطاب الكراهية على منصات أخرى مثل X (تويتر سابقًا). ورغم أن دوروف نفسه لم يُتهم بإنتاج محتوى غير قانوني، فإن التهم الموجهة إليه تتعلق بتسهيل المحتوى غير القانوني عبر منصته.

قالت وزارة الخارجية الإماراتية  الاثنين إن الإمارات العربية المتحدة قدمت طلبا إلى فرنسا لتقديم جميع الخدمات القنصلية لمؤسس تطبيق تيليغرام الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والإماراتية.

وقالت الوزارة، في بيان، إن بلادها "تقدمت بطلب للحكومة الفرنسية لتقديم كافة الخدمات القنصلية له بشكل عاجل"، وفقا لوكالة الأنباء الإماراتية (وام).

وأضافت أن "رعاية المواطنين وحفظ مصالحهم ومتابعة شؤونهم وتقديم كافة أوجه الرعاية لهم أولوية قصوى لدى دولة الإمارات".

ينبغي السفر إلى فرنسا عندما تكون معظم القيادة القتالية للقوات المسلحة الروسية في مجالك

وفي سياق متصل، قالت السفارة الروسية في فرنسا إنها على اتصال بمحامي بافيل دوروف الذي يحمل الجنسية الروسية.

وزعم أحد النواب الروس أن هذا الاعتقال "جزء من مؤامرة من قبل الغرب للاستيلاء على التحكم بتطبيق المراسلة".

وأعلن المتحدث باسم الكرملين أن موسكو لم تتلق أي معلومات من فرنسا عن سبب اعتقال دوروف قائلا "لا نعرف بشكل ملموس ما التهم الموجهة إليه".

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت الأحد إن "السفارة الروسية في باريس ستبدأ العمل فورا، كما هو معتاد" عندما يتم احتجاز مواطنين روس في الخارج.

وتصاعد التوتر بين فرنسا وروسيا على مدى أشهر، حيث اتهمت السلطات الفرنسية روسيا بمحاولة زعزعة استقرارها قبل دورة الألعاب الأولمبية في باريس، رداً على موقفها الأكثر تشدداً بشأن الحرب في أوكرانيا، وهي ادعاءات تنفيها روسيا.

ويثيراعتقال بافل دوروف"، في فرنسا قلقاً كبيراً بين الخبراء العسكريين الروس، يعتقد الخبراء أن هذا الاعتقال قد يتيح للناتو الوصول إلى رموز التشفير الخاصة بتطبيق تلغرام، الذي يُستخدم بشكل واسع لأغراض عسكرية، مما قد يعرض المعلومات الحساسة للخطر.

وأشار المحلل العسكري إيليا كرامنيك، عبر قناته على تيلغرام، إلى ضرورة البحث عن بدائل آمنة لوسائل الاتصال العسكرية، قائلاً بسخرية: "لا ينبغي السفر إلى فرنسا عندما تكون معظم القيادة القتالية للقوات المسلحة الروسية في مجالك، فقد يطلب الغرب التعاون".

ونشر إيلون ماسك مؤسس مجموعة تيسلا للسيارات الكهربائية هاشتاغ #افرجوا عن بافيل على منصته اكس وكتب بالفرنسية "حرية حرية! حرية؟".

وعقب الاعتقال، ارتفع تحميل التطبيق في فرنسا إلى المركز الأول في فئة "الشبكات الاجتماعية" من حيث عدد التنزيلات في متجر تطبيقات iOS، وأصبح الثالث في ترتيب التطبيقات بشكل عام.

كما أصبح تلغرام ثاني أكثر تطبيق للتواصل الاجتماعي تحميلا في متجر تطبيقات App Store في الولايات المتحدة، كما ارتفع عدد تنزيلاته على نظام iOS في العالم بنسبة 4 بالمئة.