ريف العراق ملجأ اللبنانيين من هول الحرب
بغداد – تتواصل الحرب المفتوحة بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي منذ 23 سبتمبر/أيلول حاصدة دمارا واسعا في بيروت ومئات القتلى، ما أجبر مئات الآلاف من اللبنانيين النزوح من مناطقهم بحثا عن مكان آمن داخل لبنان أو خارجه.
وفرّ محمد فواز (62 عاما) مع زوجته وابنته "من الموت" في لبنان كما يقول إلى مدينة القاسم في محافظة بابل وسط العراق بعد أن نزح من منطقة الى منطقة داخل بلده هربا من القصف الإسرائيلي. وأضاف "رأينا الموت بأعيننا. كلما انتقلنا الى مكان، يصبح خطرا. بعد ذلك فكّرت بالمجيء الى العراق".
وأمام منزله الصغير إلى جانب طريق تمرّ عليه مركبات توك توك وشاحنات صغيرة ومحاط بأشجار نخيل، يتابع الرجل المتحدّر من قرية جويا في جنوب لبنان إن العائلة لاقت في العراق "استقبالا يفوق الخيال".
ووصل إلى العراق أكثر من 19200 لبناني منذ بدء الحرب عبر مطارَي بغداد والنجف ومنفذ القائم الحدودي، وفقا للأمم المتحدة.
ورحّبت الحكومة العراقية ومؤسسات دينية شيعية والعتبات المقدسة وجمعيات خيرية والحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل عراقية موالية لإيران، باللاجئين اللبنانيين وبذلت جهودا كبيرة لتسهيل إجراءات السفر والسكن. ويبرز هذا التضامن العلاقة الوثيقة بين الطائفتين الشيعيتين في البلدين.
وتتمتع هذه الفصائل بنفوذ كبير في العراق وداخل الحكومة وهي جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده طهران ويضمّ حزب الله اللبناني.
ويروي فواز أنه نزح أولا من جنوب لبنان إلى حيّ السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعرضت للقصف ايضا، ما دفعه للهرب إلى منطقة الشويفات المجاورة حيث تقيم ابنته الثانية. فلحقه القصف.
ويقول مجهشا بالبكاء "تركت كلّ رزقي وتركت أهلي في لبنان... إخوتي مشرّدون، كلّ منهم في منطقة في مدارس فُتحت لاستقبال نازحين".
وتواصل فواز مع شاب ينسّق مع الحشد الشعبي العراقي لتأمين رحلات يومية للفارّين إلى العراق. فسافر مع عائلته أولا إلى منطقة السيدة زينب جنوب دمشق ثمّ في حافلة إلى الحدود السورية-العراقية.
وحيا الرجل "استقبال وكرم وشهامة" سكان مدينة القاسم حيث استضافهم أبومسلم، أحد سكان المنطقة الذين فتحوا منازلهم لإيواء عائلات لبنانية مؤقتا حتى إيجاد مساكن أخرى لهم ليقيموا فيها فترة أطول.
ومنذ 23 سبتمبر/أيلول، نزح 1.3 مليون شخص من منازلهم في لبنان، بينهم أكثر من نصف مليون غالبيتهم سوريون توجهوا الى سوريا، وفقا للسلطات اللبنانية.
وسهّل العراق إقامة اللبنانيين بتمديد مدة تأشيرتهم في البلاد لعدة أشهر. ووجّهت بغداد بمنح اللبنانيين القادمين الى العراق ولا يملكون جوازات سفر أو وثائق سريعة بغية تسهيل وصولهم.
أما في مدينة كربلاء المقدسة حيث مرقد الإمام الحسين وشقيقه العباس، تولّت العتبات المقدسة إيواء عائلات لبنانية في فنادقها المخصصة للزوار. ويستقر ما يقرب نصف الوافدين الجدد في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
كما سمحت الحكومة العراقية بتسجيل الأطفال في مدارسها، وتشير الإحصاءات الى أن نحو 62 بالمئة من اللبنانيين في العراق هم من النساء والأطفال، وفق الأمم المتحدة.
وفي منطقة الإبراهيمية في جنوب بابل، يستعد ابراهيم حمادة (21 عاما) للانتقال مع والدته وشقيقه من منزل مؤقت إلى آخر. ويتابع الشاب دروسه عن بُعد مستعينا بحاسوب حمله معه في حقيبته من لبنان حيث قُصفت قريته قائلا "اخترنا العراق لأنه وصفنا بأننا ضيوف لا نازحين. نحن نشعر فعلا أننا بين أهلنا وناسنا".
وخلال رحلة استمرت حوالي ثلاثة أيام من لبنان ثم سوريا فالعراق، واجهت العائلة "صعوبات"، خصوصا أن الأب "بقي في لبنان لأنه يرفض ترك البيت الذي تربّى فيه والمنطقة التي عاش فيها"، وفق ما يقول حمادة.
ويشير الطالب الذي يدرس الطب المخبري إلى أن جامعته في لبنان "أقفلت أبوابها أمام الطلاب لتستقبل نازحين" كما فعلت صروح تربوية كثيرة هناك، ما دفع بالمدرّسين للتعليم عن بُعد. وتقول والدته ريما حمادة "نحنا كبيئة شيعية واجهنا القصف بكل الأماكن الي تواجدنا فيها. لم نعد في أمان".
وتبنت السلطات المحلية في محافظة بابل تجهيز 180 وحدة سكنية لاستقبال المزيد من اللبنانيين في الأيام المقبلة، وفق ما ذكر نائب محافظ بابل أحمد الغريباوي.
وتقول عاطف موسى (44 عاما) من قرية حريص في جنوب لبنان والمقيمة الآن في مدينة الحلة مركز المحافظة مع زوجها وابنتيها وعمتها إنهم نزلوا في منزل شاغر صاحبه عنصر في الشرطة العراقية ينتظر الزواج قبل الانتقال اليه، متابعة "عندما نذهب الى التسوّق يصحبنا متطوع من الأهالي بسيارة ويتكفّل بالمصاريف".
وتضيف موسى بصوت منهك "اخترنا العراق لأنه مكان آمن ولا يوجد خوف. وهنا أهل البيت يحموننا أكثر"، في إشارة الى سلالة النبي محمد. وتوجد مراقد في بغداد لعدد من أفراد عائلة النبي وأحفاده. وهي الزيارة الأولى التي تقوم بها موسى الى العراق، رغم أن زوجها جاء من قبل في زيارة الى المراقد المقدسة في البلد.
وخوفا من مآسي الحرب التي خطفت أخت زوجها وهي كذلك بنت عمتها، لا تنقطع المرأة عن متابعة أخبار لبنان على هاتفها النقال ولا تكف عن البكاء وهي تتحدث عن الموتى وبلدها الذي تتمنى العودة إليه من جديد.
وتقول "أنا مرتاحة في هذا المنزل والعراقيون لا يسمحون بأن ينقصنا أي شيء. مرضت فأخذوني إلى المستشفى ولكنني أشتاق الى بيتي وبلدي، كذلك لجيراني وعائلتي. هناك بيتي الحقيقي".