توجسات أمنية تدفع الجزائر لزيادة قياسية في الإنفاق العسكري

خمس ميزانية الجزائر للعام المقبل سيخصص للإنفاق العسكري، ما يكشف عن هواجس من الاضطرابات الأمنية في الجوار الأفريقي.

الجزائر - كشفت تفاصيل قانون المالية للعام 2025 الذي صادق عليه البرلمان الجزائري ولا يزال عالقا لدى المحكمة الدستورية، عن زيادة قياسية في موازنة الدفاع تصل إلى أكثر من 25 مليار دولار أي نحو خمس الموازنة العامة، في مخصصات تشير إلى توجس لا يهدأ من تمدد محتمل للاضطرابات الأمنية في بعض دول الجوار الأفريقي التي ترتبط بحدود ممتدة مع الجزائر مثل مالي. ويعكس حجم مخصصات الإنفاق العسكري أيضا طغيان نظرية المؤامرة على القرار السياسي التي روجت لها السلطة في أكثر من مناسبة لتبرير إجراءات يصفها خصومها بـ"التعسفية"، بينما لا تخلُ الخطوة أيضا من رغبة في مجاراة السياسة الدفاعية للمغرب الذي تحول إلى قوة استقرار وازنة في المنطقة والذي يعمل على توطين وتطوير الصناعات الدفاعية بالتعاون مع الشركاء الدوليين الفاعلين.

وخسرت الجزائر الكثير من نفوذها التقليدي في عدد من الدول الأفريقية على وقع توترات آخذة في التنامي مع فاعلين في منطقة الساحل الافريقي بينها مالي والنيجر وبوركينافاسو.       

وتعدّ ميزانية وزارة الدفاع الجزائرية الأعلى مقارنة بالوزارات الأخرى، ما يطرح تساؤلات حول تخصيص اعتمادات مالية هامة للإنفاق الدفاعي، في وقت تشكو فيه العديد من القطاعات الحيوية والخدمات الأساسية تدهورا كبيرا.

وتأتي الزيادة القياسية في مخصصات الإنفاق الدفاعي في وقت لا تزال فيه العديد من المناطق الجزائرية في انتظار حلول لأزمة النقص في المياه من بينها ولاية تيارت التي شهدت في يونيو/حزيران الماضي احتجاجات عارمة وموجة غضب واسعة، فيما أكد عدد من المحتجين أن السلطات تركتهم وحيدين في مواجهة العطش، مؤكدين أن كافة وعودها بقيت مجرّد شعارات للتهدئة.

ويعتبر متابعون للشأن الجزائري أن تخصيص أكثر من 25 مليار دولار من ميزانية البلاد للإنفاق الدفاعي يأتي على حساب العديد من الملفات الاجتماعية والتنموية، بينما تتفشى البطالة في صفوف الشباب في ظل غياب مشاريع مشغّلة وعجز البلاد عن استقطاب استثمارات أجنبية، ما اضطر العديد من الشباب إلى الهجرة بحثا عن حياة أفضل.

ويرى مراقبون أن الجزائر تسعى إلى تطوير ترسانتها العسكرية، خاصة بعد تقادم جزء هام من أسطول آلياتها الحربية وخصوصا الروسية وهو ما ظهر خلال الاستعراض الذي نظمته في عيد الثورة الماضي.

وكشف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الجزائر جاءت في المركز الـ19 عالميا في حجم الإنفاق العسكري العام الماضي، مشيرا إلى أنه الأعلى في أفريقيا.

وأشار إلى أن "حجم الإنفاق العسكري الجزائري في 2025 سيبلغ خمس ميزانية البلاد"، مضيفا أن البلاد "تستعدّ تحسبا إلى تهديدات إقليمية غير مسبوقة".

وأضاف التقرير أنه "في عهد الرئيس عبدالمجيد تبون عزّزت الجزائر قوتها العسكرية في ضوء موقعها الإستراتيجي"، مشيرا إلى أن "زيادة الإنفاق الدفاعي تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار حيث شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الانقلابات العسكرية وانعدام الأمن في عدد من الدول الأفريقية الواقعة جنوب الجزائر".

وتنظر الجزائر بقلق إلى المواجهات المحتدمة بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق على حدودها، فيما فشلت في ترميم علاقتها المتصدّعة مع باماكو التي تتهمها بالتدخل في شؤونها إثر عقدها مباحثات مع وفد عن الانفصاليين دون إشراكها، بينما اعتبر مسؤولون ماليّون في تصريحات سابقة أن الجزائر لا تزال تحت وقع صدمة إلغاء اتفاق السلام الهش المبرم في العام 2015 بعد أن أخفق في إحداث أي تقدم ملموس.

وركزت الجزائر خلال الآونة الأخيرة على تهويل الأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي، محذرة من تنامي الاضطرابات، متوجسة من تراجع حضورها في المنطقة، بالتزامن مع انخرط أغلب دولها في مبادرة الأطلسي التي أطلقها المغرب لتسهيل وصولها إلى المحيط.

ويشير ترفيع الجزائر في الإنفاق الدفاعي إلى رغبتها في مجاراة النجاحات التي حققها المغرب في مجال تطوير ترسانته العسكرية وتعزيزها بأحدث الأسلحة والمعدات بعد أن أبرم خلال الأعوام الأخيرة العديد من الصفقات مع القوى الدولية الكبرى تتصدرها الولايات المتحدة.

ويمضي المغرب بثبات على طريق توطين صناعة دفاعية محلية من خلال فتح المجال للشركات المتخصصة في التصنيع العسكري للاستفادة من امتيازات ضريبية تشجع على الاستثمار في هذا المجال.

وصادقت الحكومة المغربية في يونيو/حزيران الماضي على "مشروع مرسوم بإحداث منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع والذي يهدف إلى توفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة"، وفق مواقع مغربية.

وكان السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري قد أعلن خلال زيارة أداها مؤخرا إلى مركز الهندسة والتطوير في الميكانيك والإلكترونيك التابع للجيش أن البلاد تسعى إلى "وضع الركائز الأساسية لصناعة عسكرية جزائرية واعدة"، وفق مواقع جزائرية.

وأوضح أن هذه الصناعة "سيتم إنشاؤها بما يتوافق مع خصوصيات الجيش الجزائري وعقائده الدفاعية في ظل سياق إقليمي مضطرب ووضع دولي يحمل العديد من التحديات الجديدة والناشئة".