الفنون المشهدية بطنجة يكرم شخصية دورته العشرين ريتشارد شكنر
طنجة (المغرب) - تحت شعار "الفرجة والبيداغوجيا" انطلقت، الخميس، فعاليات الدورة العشرين لمهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية.
ويتضمن برنامج هذه الفعالية المنتظمة من الخامس إلى الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري عروضا مسرحية وأدائية متنوعة ستقدم في العديد من المعالم الثقافية لمدينة طنجة، بالإضافة إلى ندوات وورشات تكوينية وحلقات نقاش حول قضايا المسرح والفنون المشهدية، ومحاضرات وجلسات علمية لباحثين متخصصين، وكذا حفل توقيع لأحدث إصدارات المركز الدولي لدراسات الفرجة الذي ينظم هذا الحدث كل سنة، إلى جانب أنشطة ثقافية أخرى.
واختار المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة هذه السنة موضوع "الفرجة والبيداغوجيا" محورا لنقاشات ندوته الدولية، في محاولة لتسليط الضوء على الدرس المسرحي الأكاديمي من خلال نقاشات مفتوحة على مقاربات متعددة ومختلفة تبتغي تأسيس حوار جاد من شأنه أن يضيء مختلف أبعاد العلاقة بين الفرجة باعتبارها أفقا إبداعيا مفتوحا على كل مجالات الخلق والتعبير والسلوك في ارتباطها بالحضور الإنساني، وبين البيداغوجيا باعتبارها مبحثا علميا تنبثق منه كل القضايا المتصلة بالتربية والتدريس والتكوين.
وتستضيف دورة هذه السنة التي ستقدم لجمهور طنجة المشهدية قرابة عشرة عروض مسرحية/ أدائية، ومعرضين اثنين طيلة أيام المهرجان، فنانين وباحثين ومفكرين من المغرب، تونس، مصر، السعودية، العراق، الكويت، بالإضافة إلى إيطاليا والبرتغال، وكذا إنكلترا وأميركا..، لينضموا إلى طاولة نقاش "الفرجة والبيداغوجيا" التي ستتوزع على عشر جلسات علمية، وخمس محاضرات افتتاحية لمفكرين متخصصين ومرموقين، مع وقفة اعتراف تُعد من سُنن إدارة المهرجان، وهي تكريم شخصيتي الدورة العشرين، ويتعلق الأمر بكل من البروفيسور ريتشارد شِكنر من أميركا، والباحث والناقد المسرحي حسن يوسفي من الغرب.
وأكد رئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة خالد أمين في كلمة خلال افتتاح المهرجان أن هذه الدورة تأتي في مناسبة مهمة وهي الذكرى 20 لهذا الحدث الذي رسخ نفسه على مر السنين كموعد لا محيد عنه لفنون الفرجة.
وأشاد أمين بالجهود المبذولة من أجل جمع عدد كبير من المسرحيين والأكاديميين من مختلف الخلفيات، مما يعزز دور المهرجان كمنصة للحوار الثقافي والفني، مشيرا إلى أن هذه الدورة تستقبل أيضا شخصية بارزة في دراسات الفرجة البروفيسور ريتشارد شيكنر الذي سيؤطر عدة ندوات لمشاركة خبراته ورؤيته المبتكرة مع الجمهور.
وأضاف أن المهرجان سيقدم برنامجا غنيا بعروض آسرة وورشات تفاعلية، وأنشطة ثقافية متنوعة، قائلا إن هذه المبادرات تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الجمع بين الممارسة والنظرية في الفنون المشهدية، مع استكشاف المقاربات البيداغوجية الأكثر فعالية لنقل هذا التخصص إلى الأجيال الجديدة.
ويهدف هذا الحدث الثقافي المقام بمبادرة من المركز الدولي لدراسات الفرجة، وشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبدالمالك السعدي، وجامعة نيو إنجلند بطنجة، ودعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل - قطاع الثقافة، إلى الاحتفاء بالذاكرة الإنسانية المشتركة، وتعزيز قيم التعايش والحوار وقبول الآخر بتنوعه، مع إبراز ثراء وتنوع العروض المسرحية التي تعتبر دعامة أساسية للثقافة والحضارات.
ويروم المهرجان أيضا إغناء الثقافة المغربية، وتعزيز التجربة المسرحية الوطنية، وتقريب الجمهور العاشق للمسرح من أحدث الإبداعات. كما يشجع تبادل الخبرات بين الكتاب المسرحيين والأكاديميين المغاربة والعالميين.
وتم خلال حفل الافتتاح تكريم شخصيتين مسرحيتين بارزتين، ويتعلق الأمر بريتشارد شكنر، وحسن يوسفي، تقديرا لمسيرتهما المهنية الرائعة ومساهماتهما الكبيرة في الفنون المسرحية.
وأعرب شكنر في كلمة بالمناسبة عن امتنانه للمهرجان على هذا التكريم، مؤكدا أن المسرح والفنون المشهدية يجسدان المشاعر الإنسانية العالمية، وينسجان روابط عميقة بين الأفراد تتجاوز الأصول والمعتقدات. وبالنسبة إليه يجب أن تصبح هذه الأداءات ناقلة للسلام والصداقة بين الشعوب، وفق ما نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء.
وبحسب الورقة الفكرية لندوة المهرجان الأساس، فإن اختيار المركز الدولي لدراسات الفرجة لموضوع الفرجة والبيداغوجيا، يأتي من جهة، استنادا لكون دراسات الفرجة صارت تشكل تحديا كبيرا بالنسبة إلى الفضاء الأكاديمي داخل الجامعة، ذلك أن مصطلح الفرجة نفسه يكتسي أبعادا مركبة ومتجددة جعلت الباحثين في المجال يعودون باستمرار في دراساتهم لمحاولة إضاءة مختلف دلالاته وتجلياته، وذلك في خضم احتدام معرفي واكب مرحلة جائحة كوفيد وما بعدها، وما فجره من أسئلة ورؤى ومقاربات حاولت رصد التجليات الجديدة للفرجة. ومن جهة أخرى، استنادا إلى التمثلات السائدة بين الطلبة التي ما تزال ترى أن المسرح هو نتاج الثقافة الغربية، مما يؤثر على منظوراتهم حوله ويوجه طبيعة المعارف التربوية والتعليمية المتصلة به.
وجاء في ورقة الندوة الدولية طنجة المشهدية أيضا أن التنازع على الفرجة كان جزءا من سياسة المعرفة وجغرافياتها، مستحضرة ما أثاره الباحث نغوغي واثنغو الذي ذكّر "كيف أن المستعمر حرص على محاصرة الفرجات الأفريقية المحلية ومحاربتها حتى يتسنى له استبدالها بفرجات مسرحية هي جزء من الخطاب الاستعماري بما يتيح التحكم في المعرفة الممسرحة والخطابات المؤداة".
كان المسرح في هذه الحالة مسرحا لزواج المعرفة والسلطة وفضاء له. أما في عالمنا العربي يرتبط ظهور المسرح بالتدافع بين مراكز المعرفة وجغرافياتها فمن الترخيص لمارون النقاش وأبي الخليل القباني إلى منعهما من تقديم العروض المسرحية كانت الفرجة ضحية ومطية أيضا لتنظيم مراكز المعرفة وخلق التوازنات داخل مجمع الخطاب.
إن الفرجة حسب الورقة الفكرية لندوة المهرجان لم تنفصل عن المعرفة ولم تعلن الاستقلال عن سياساتها وما يحيط بها من سُلط، لأن الفصل بين هذه وتلك مستحيل، إلا أن أشكالا من الترتيب والتقطيع ظهرت، فكان أن دخلت الفرجة بجميع أشكالها إلى بناية جديدة تتمثل في حرم الجامعة، حيث أُفرِد لفنون الأداء مجال معرفي خاص بها وخُصصت لها كراس علمية ومُحيت تلك التراتبية التي كانت تقصر الدرس الأكاديمي على ما كان يعد فنونا رفيعة. لقد أحدثت الدراسات الثقافية تحولات في الجغرافيات المعرفية وساهمت دراسات الأداء في فتح آفاق جديدة للنظر في الفرجة بأنواعها المختلفة بما فيها الطقوس والفرجات الشعبية التي كان الاهتمام بها جزءا من الأنتروبولجيا الاستعمارية.
من هنا تأتي أهمية المساءلة البيداغوجية للفرجة وفنونها في البرامج والمقررات التعليمية، وطرق تدريسها في الفضاء التربوي، وهندسة التكوين البيداغوجي في مجال فنون الفرجة بشكل عام، والمسرح على وجه الخصوص، لاسيما في سياقنا العربي. وعلى ضوء ما تقدم ذكره، سوف تحاول طاولات نقاش هذه الدورة الإجابة على مجموعة من الأسئلة، بينها كيف ندرِّسُ المسرح ودراسات الفرجة خاصة للطلاب القادمين من الجنوب العالمي؟ هل نحتاج إلى "حروب المعتمدات الأدبية" الخاصة بنا سعيًا إلى التسليع المزعوم لثقافات الفرجة؟، إلى أين يأخذنا المسرح ودراسات الفرجة اليوم؟ ما هي النصوص المسرحية التي يجب تدريسها للطلاب "المحليين" و"العالميين"؟ وما هو التعريف السائد للمسرح والفرجة؟ وإلى أين يميل؟.
برنامج هذه الدورة غني ومكثف جدا، على غرار الدورات السابقة، توزعت فقراته على فضاءات مختلفة، من قبيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، الجامعة الأميركية بطنجة، قاعة العروض محمد الرحموني ورواق محمد اليوسفي (بدار الشباب حسنونة)، وكذا المركز الثقافي أحمد بوكماخ، وإضافة إلى المحاضرات الافتتاحية والجلسات العلمية للندوة الدولية طنجة المشهدية، فقد تضمن البرنامج أيضا عروض مسرحية/ أدائية مفتوحة في وجه العموم.