اللبناني محمد طرزي يفوز بجائزة نجيب محفوظ للأدب

الكاتب اللبناني يخرج في روايته 'ميكروفون كاتم صوت' عن محدودية المكان والزمان ليكشف واقعا إنسانيا عاما عن أزمة الإنسان المعاصر في مدن تدفن الروح وتقتل الأحلام.

القاهرة - فازت رواية "ميكروفون كاتم صوت" للكاتب اللبناني محمد طرزي بجائزة نجيب محفوظ للأدب التي تمنحها دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة بقيمة مالية خمسة آلاف دولار مع ترجمة العمل للغة الإنكليزية.

تأسست الجائزة عام 1996 وتذهب إلى أفضل رواية معاصرة مكتوبة باللغة العربية تم نشرها خلال العامين السابقين في حفل يقام يوم 11 ديسمبر/كانون الأول بالتزامن مع ذكرى ميلاد الأديب المصري الراحل.

وترشحت للجائزة هذا العام 181 رواية من 18 دولة اختارت لجنة التحكيم ستة منها فقط للقائمة القصيرة من مصر وسوريا ولبنان واليمن.

وقالت سارة عناني أستاذة اللغة الإنكليزية بجامعة القاهرة ورئيسة لجنة التحكيم إنها والأعضاء الأربعة في اللجنة اتفقوا أن الرواية "تستحق جائزة نجيب محفوظ لعام 2024 لما تميزت به من عناصر استعارية، ومجاز عميق، وشخصيات قوية، وأسلوب سردي سهل ممتنع".

وأضافت أن الرواية "وإن كانت تتحدث عن لبنان اليوم إلا أنها خرجت من محدودية المكان والزمان المفترض لتكشف واقعا إنسانيا عاما عن أزمة الإنسان المعاصر في مدن تدفن الروح وتقتل الأحلام".

أقيم حفل تسليم الجائزة، الأربعاء، في مركز التحرير الثقافي حيث المقر القديم للجامعة الأميركية بالقاهرة بحضور رئيس الجامعة أحمد دلال وعدد من الكتاب والمثقفين والنقاد.

وكتب محمد طرزي على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك "إنها لمصادفة أن تفوز 'ميكروفون كاتم صوت' بجائزة نجيب محفوظ للأدب، لأن ما أثار فكرة الرواية في المقام الأول ودفعني إلى كتابتها اقتباس لأستاذنا قرأته عرضا في إحدى الصحف.. 'وطن المرء ليس مكان ولادته، لكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب'.. فكان هذا الاقتباس بمثابة إيجاز بليغ لحياة بطل الرواية سلطان، ذاك الشاب الذي فعل كل شيء كي يخرج حيًّا من المقبرة التي ولد فيها".

وأضاف "الرواية، كما يشير عنوانها، عن الميكروفون الذي يحاصرنا منذ سنوات بعيدة، يزعق بكل ما يناقض تطلّعاتنا لحياة كريمة، يخطب فينا، يروّج للوهم، يسوّق للجهل والخرافة، يكمّ الأصوات، يسطو على أموال الناس وأحلامهم ومستقبلهم، لكننا اليوم، إذ نجد أنفسنا محاصرين بالصمت المدوّي حيال ما يجري من مجازر، نكاد نترحّم على زمن الميكروفونات".

وتابع "كتبتُ هذه الرواية وأنا محاصر بالميكروفونات التي تكتم صوتي وتغلّ لساني. كان شعبي مفلسًا، موزّعًا بين المقابر ومراكب الموت. أبواب المستشفيات موصدة أمام المرضى بعدما احتكرت حاشية الزعيم الدواء، أسوة بسائر المواد الأساسية. كتبتُها صامتًا، يبلّل الدمع عينَي، كأنني واحد من الشخصيات البكم التي دفعتُ بها في الرواية. لعلّ بكمي إذن هو ما لامس وجدان أعضاء اللجنة الموقّرة، فقرروا منحي أغلى ما يتطلّع إليه الكاتب 'الصوت'، وقد تجسّد هذا الصوت على هيئة ميدالية تحمل اسم كاتبنا الكبير، وهم بذلك إنما يضمّونني إلى لائحة المبدعين الذين منحوا هذه الجائزة لجودة أقلامهم ولنضالهم الصلب ضدّ الكراهية والطغيان. فشكرًا لكم وشكرًا لكل من حضر كي يشاركني البهجة هذا المساء".

وتدور أحداثُ الرواية في صوُر المدينة التي أضحت فجأة حديث وكالات الأنباء، لما تعرّضت له من عدوان. من زار المدينة تعرّف بسهولة إلى معالمها المذكورة في طيّات السرد، ولكنْ، ليس بعد هذا اليوم، إذ غيّر العدوان ملامحها، وشوّه أجمل ما فيها. عَلّق في سمائها ميكروفونًا خرافي الحجم، صوته مرعبٌ كريه، يلاحق الأطفال في الأزقة، والرضّع في الأسرّة، يسفك دماءهم، من دون حاجة إلى كواتم للصوت، بل رأيناه، يصوّر أفعاله الشنيعة، ويبثها عبر الشاشات، كمن يفتخر بانتهاك القيم الإنسانية التي نحتفي بها اليوم في كنف هذا الصرح العريق.

وأكد طرزي في تدوينته "نكتب كي نتصدّى للميكروفون الذي يسلب الصحافي رأيه، والطفل دميته والمرأة المشرقية حقّها في جسدها وصوتها. نكتب كي نتمرّد على الميكروفون الأكبر، ذاك الذي يختلق صراعات لا أسس لها بين الشرق والغرب، يخوّف الشعوب، بعضهما من بعض، حتى أصبحت كلّ جماعة تعيش في صندوق أسود مغلق، معتقدة أنه العالم، وأن كل من هو خارجه عدوّ لها. والأهمّ من ذلك، نكتب كي نُسكت الميكروفونات العنصرية والطائفية والطبقية المزروعة في داخلنا، تلك التي ما انفكت توسوس لنا، تقنعنا بأننا مختلفون، أو مصطفون دون الآخرين من البشر. نكتب لأننا نؤمن بقدرة الأدب، بل بقدرة الفنون جميعها، على سحق الميكروفونات، وإيقاظ الجمال الإنسانيّ الدفين في داخل كل واحد منا. إذ وحده الجمال قادر على إنقاذ العالم".

ومحمد طرزي روائي لبناني من مواليد بيروت عام 1983، تهتم رواياته بالتاريخ العربي في شرق أفريقيا، حيث نشر ثلاثية الحلم الأفريقي. حاز إجازة في القانون، وأخرى في الاقتصاد من الجامعة اللبنانية، وحصل على الماجستير في الاقتصاد المالي من جامعة لندن SOAS.

حصدت أعماله العديد من الجوائز والترشيحات بينها جائزة غسان كنفاني للرواية، في عمّان، الدورة السادسة 2017، عن رواية "جُزر القرنفل"، جائزة توفيق بكّار للرواية العربية، في تونس، الدورة الأولى 2018، عن رواية "نوستالجيا"، ترشحه بالقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب للدورة السابعة عشرة 2022-2023 عن رواية "عروس القمر؛ حكاية الحلم الأفريقي".