'القنطرة' رحلة تأملية في واقع يعيق تحقيق الأحلام
تونس - يأخذ الفيلم الروائي الطويل "قنطرة" للمخرج التونسي وليد مطار المشاهد في رحلة تأملية تصور كيف يمكن للواقع أن يصبح عائقا وأحيانا جسرا نحو تحقيق الأحلام.
و"القنطرة" بما هي رابط مادي يصل بين ضفتي الضاحية الجنوبية والضاحية الشمالية لتونس العاصمة، حولها المخرج وليد مطار في فيلم يحمل العنوان نفسه "قنطرة" ليكون لها رمزية محملة بدلالات ومقاصد عديدة.
وتدور أحداث الفيلم حول ثلاث شخصيات محورية هي مغني راب ومصور وممثلة، يجتمعون لتصوير فيديو كليب على متن قارب في عرض البحر، أثناء التصوير يعثرون على صندوق يحتوي على كمية كبيرة من المخدرات تطفو على سطح الماء. وهذا الاكتشاف يشعل شرارة الطموح في داخلهم، حيث يرون في هذه العبوة وسيلة لتحقيق أحلامهم والهروب من واقعهم البائس.
ويشارك في الفيلم كل من محمد أمين حمزاوي، سيف عمران، وسارة حناشي، وبدت رحلة هذه الشخصيات نحو الضفة الشمالية انتقال مكاني وزماني لاقتحام عالم جديد يعدهم بالثراء وتحقيق الأحلام.
ومع ذلك، فإن هذا الانتقال محفوف بالمخاطر التي تكشف عن هشاشة الطموح حين يصطدم بالواقع، وتصبح القنطرة في الفيلم معبرا بين عالمين متناقضين هما الفقر الذي يختزل الواقع اليومي للأحياء الشعبية، والغنى الذي يسطع في الأحياء الراقية على الضفة الأخرى. هذا التناقض يتجلى في كل تفاصيل الفيلم، ليعكس الصراع الأزلي بين الطموح والقيود الاجتماعية.
ويمزج الفيلم بين الواقعية الاجتماعية والرمزية، حيث يتناول موضوعات تتعلق بالفقر والطموح والهوة الشاسعة بين الضفتين الجنوبية والشمالية. ويظهر في الفيلم أن الجسر بين الضفتين ليس متاحا للجميع، فالضفة الشمالية التي تمثل الثراء ورغد العيش، تبدو كحلم بعيد المنال بالنسبة إلى أبطال الفيلم الذين يعيشون في ظل الفقر والقيود الاجتماعية.
ولئن لعبت القنطرة أداة وصل للعبور إلى الضفة الأخرى في المكان والزمان، فإنها مثلت أيضا الفجوة بين هذين الإطارين، فالنهار يمثل الواقع المليء بالقيود، بينما يرمز الليل إلى الأحلام والهروب والمجهول. ويعكس هذا التباين كيف تتغير طموحات الشخصيات مع تغير الإضاءة، حيث يبدو الليل وكأنه ملاذ أحلامهم المحظورة. كما لعبت القنطرة انعكاسا للحدود النفسية والاجتماعية التي تفصل الأفراد عن تحقيق ذواتهم.
ويثير الفيلم أسئلة حول الخيارات التي يواجهها الأفراد في سعيهم لتحقيق أحلامهم، منها هل يمكن عبور القنطرة دون التضحية بالقيم؟ وهل الجسر بين العالمين متاح للجميع أم أنه يقتصر على من يمتلك المادة؟ لا يقدم الفيلم إجابات عن هذه الأسئلة بقدر ما ينقل ما تطمح إليه الشخصيات والمطبات التي تعترضها في الواقع، فكمية المخدرات التي يجدها الأبطال هي رمز للإغراء ولسلطة المال وسطوته، لكنها تعكس في المقابل العواقب الوخيمة التي قد يدفعهم الطموح للوقوع فيها.
يمكن القول في النهاية إن القنطرة التي تصل الضفتين الجنوبية والشمالية للعاصمة، هي استعارة للحدود التي تفصل بين البشر والأحلام التي تجعلهم يتوقون لعبورها. ومن خلالها حاول وليد مطار أن يتجاوز حدود المكان والزمان، ويعطيها بعدا كونيا لتلامس القضايا الإنسانية العالمية المتعلقة بالصراع الطبقي والطموح الإنساني، إذ يمكن للقنطرة التي تربط بين ضاحيتي تونس العاصمة أن تحيل على ضفتي شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه وبين دول الشمال ودول الجنوب.
وتوج فيلم "قنطرة" بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في المسابقة الوطنية للأفلام التونسية التي تم الإعلان عن نتائجها السبت في حفل اختتام الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية.
وشهدت الدورة الخامسة والثلاثون من أيام قرطاج السينمائية والتي أسدلت ستارها في الحادي والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري، مشاركة 12 عملا سينمائيا ضمن المسابقة الوطنية الخاصة بالأفلام التونسية.
وكان الرئيس الشرفي للمهرجان فريد بوغدير قال إن هذه الدورة تتضمن عددا قياسيا للأفلام التونسية المشاركة، ما دفع الهيئة المديرة لانتقاء 4 أفلام في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، علما وأن العدد القانوني للأفلام التونسية المسموح به في هذه المسابقة هو في حدود 3 أعمال.
وأضاف وفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء أن كثافة الأفلام التونسية المسجّلة في هذه الدورة والبالغ عددها 99 فيلما حتّمت على هيئة المهرجان إحداث مسابقة وطنية تضمّ 12 فيلما، معربا عن أمله في أن تكون هذه البادرة مُستهلّا لمهرجان وطني خاص بالسينما التونسية يكون مستقلا عن أيام قرطاج السينمائية.