'البخارة' عرض تونسي يتوج بالجائزة الكبرى للمسرح العربي
مسقط - توجت المسرحية التونسية "البخارة" للمخرج الصادق الطرابلسي وإنتاج مسرح أوبرا تونس (قطب المسرح والفنون الركحية) بالجائزة الكبرى في اختتام الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح هذا العام بسلطنة عمان.
وثمنت وزارة الشؤون الثقافية بتونس في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك جهود فريق العمل بهذه المسرحية في ترسيخ ريادة المسرح التونسي على المستوى العربي وتشريف تونس في التظاهرات العربية والدولية، مؤكدة مزيد دعمها للفنانين التونسيين في مختلف اختصاصاتهم.
ويؤدي الأدوار في هذه المسرحية كلا من رمزي عزيز ومريم بن حسن وعلي بن سعيد وبليغ مكي وبلال سلاطنية، خمس شخصيات تطل من وسط ضباب يحاكي تسرب البخارة في الأجواء، لتروي أوجاع مواطنين يرزحون تحت عبء التلوث الذي نخر الأجساد والأرواح، "المولدي" وابنه "نضال"، وابنه "يحيى" وزوجته "دلال" عائلة أنهكها التلوث، في مواجهة مالك المشروع المتسبب فيه.
ففي المسرحية يناقش المخرج قضية التلوث البيئي الذي تعاني منه مدينة قابس التونسية، وتداعياته الصحية والنفسية والاجتماعية، وذلك من خلال قصة استرجاع بطلها رمزي عزيز لأيام طفولته عندما كان في عقده الأول من عمره، وكان يذهب مع والده إلى البحر في مدينة قابس (مسقط رأسه)، وينبهر بالأضواء والبخار المتصاعد في السماء وكان يتخيلها مدينة ألعاب كبرى أو مدينة تخفي ثلوجا وجبالا. يكبر البطل وينضج وعيه، يدرك أن ذلك البخار ليس سوى ظلام يخفي "معبد الموت" وأن تلك الأضواء الكاذبة هي في الحقيقة ظلام وأن التلوث مرادف للموت.
وتعزز المسرحية وهي نص إلياس الرابحي الوعي البيئي وتحث على العمل الجماعي لمواجهة هذه التحديات. كما يتعمق هذا العمل المسرحي في التأثيرات النفسية والاجتماعية لمختلف هذه التحديات، مع إبراز تأثيراتها على الصحة والاقتصاد والثقافة. ومن خلال الشخصيات والحبكة الدرامية، ينجح المخرج في تجسيد تجربة إنسانية تعكس التوترات والصراعات الناجمة عن الأزمة البيئية، مما يحفز الجمهور على التفكير في العمل الجماعي لحماية الكوكب من المخاطر التي تهدده وعلى رأسها التغيرات المناخية.
وتعتبر مسرحية "البخارة" العمل المسرحي التونسي الثالث الذي نجح في التتويج بهذه الجائزة العربية الكبرى، إذ سبق لمسرحية "زهايمر" للمخرجة مريم بوسالمي وإنتاج المسرح الوطني التونسي التتويج بهذه الجائزة في نسختها الأولى منذ إحداثها سنة 2011 بالأردن، وتحصل المخرج جعفر القاسمي على هذه الجائزة في مناسبة ثانية عن عمله "ريتشارد الثالث" سنة 2014 بالشارقة.
وكانت مسرحية "البخارة" فازت بالتانيت الذهبي في اختتام الدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية التي انتظمت خلال الفترة الممتدة من الثالث والعشرين إلى الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكذلك توجت بجائزة أفضل عمل متكامل في مسابقة الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" خلال الفترة من السابع إلى الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وشمل برنامج المهرجان الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع المؤسسات والجهات الرسمية في سلطنة عُمان خلال الفترة من التاسع إلى الخامس عشر من يناير/كانون الثاني الحالي، 15 عرضا من بينها 11 عرضا ضمن مسار تنافسي على الجائزة وأربعة عروض ضمن مسار غير تنافسي.
وأعلنت لجنة التحكيم في بيانها الختامي أنها اختارت خمسة من بين العروض المتنافسة ضمن قائمة مختصرة قبل أن تختار العرض الفائز.
وترأس لجنة تحكيم المهرجان في نسخته الخامسة عشرة رفيق علي أحمد من لبنان، وعضوية الدكتور تامر العربيد من سوريا، والدكتور سامي الجمعان من السعودية، والدكتور عبدالكريم بن علي جواد من سلطنة عُمان، ولخضر منصوري من الجزائر.
وقال الفنان اللبناني رفيق علي أحمد رئيس لجنة التحكيم في كلمته إن اللجنة رصدت ملامح جديدة في هذه الدورة منها مشاركة "عشرة عروض من أصل 15 عرضا في المهرجان من توقيع مخرجات ومخرجين شبان، قدموا جميعا رؤى جديدة وجماليات تنحو نحو توظيف التكنولوجيا الجديدة والرقمنة".
وأضاف أن اللجنة لاحظت أيضا "وجود ستة عروض من أصل 15 عرضا بتوقيع ست مبدعات عربيات من أجيال مختلفة، طرحت أعمالهن قضايا معاصرة تعيشها مجتمعاتنا وتلمست مكامن الأمل والألم".
وأشار إلى أن "اللجنة عملت على مدار أيام المهرجان على مشاهدة عروض المسار الأول المشاركة في التنافس على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وعقدت ثمانية اجتماعات ناقشت ودرست وحللت العروض بوجهة نظر نقدية وسعت لرصد الومضات الإبداعية بدقة وتفصيل"، مؤكدا أن اللجنة تعتبر كل من تأهل للمشاركة في المهرجان فائزا، وتثمن جهود المسرحيين العُمانيين "الذين رسموا صورة بهية وكريمة لعُمان ومسرحييها".
وتضمن الحفل عرض فيلم مرئي استعرض حصاد مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة عشرة بدءًا من افتتاحه، مرورًا بالعروض المسرحية المشاركة، وفعالياته المختلفة إضافة إلى قصيدة شعرية ألقتها الشاعرة نورة بنت عبدالله البادية وفقرة للفنون الشعبية قدمتها فرقة المثايل للفنون الحماسية.
وفي الختام، أعلن الأمين العام للهيئة إسماعيل عبدالله إقامة الدورة القادمة عام 2026 في العاصمة المصرية القاهرة.
ويهدف المهرجان إلى الإسهام في خدمة الثقافة العربية عامة والمسرح العربي بصفة خاصة وتنفيذ أهداف الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية، وإيجاد مساحات لتطوير وتنمية الإبداع المسرحي العربي وفي ترويج المنتوج المسرحي العربي الجيد، إلى جانب ترسيخ الاحتفال باليوم العربي للمسرح كتقليد مسرحي عربي سنوي، والإسهام في توسيع ودعم البحث العلمي المسرحي والتأليف المسرحي العربي الموجهة للكبار والصغار.
ومن الأهداف أيضًا تبادل التجارب والخبرات بين المسرحيين العرب ومع نظرائهم بمختلف المناطق وتمكين المسرحيين العرب بالمهجر من الاندماج في الدينامية التي يعرفها المسرح العربي والانفتاح على التجارب المسرحية العالمية وتقريب المسافة بينها وبين المسرح العربي.