انفتاح تركي أوسع على العالم العربي من بوابة التعليم

أنقرة تنظم فعاليات وأنشطة للتعريف بجامعاتها في الدول العربية مستفيدة من القرب الجغرافي والاجتماعي والديني مع العرب.

الدوحة - يشير تنظيم تركيا معرضا للتعريف بجامعاتها في الدوحة إلى تحرك مدروس وأكثر براغماتية في التعاطي الرسمي مع العالم العربي بعد سنوات من التوترات والخلافات. كما يعكس رغبة تركية في ترميم الشروخ التي أحدثتها سياسة دعم جماعات الإسلام السياسي.

ونظمت أنقرة مؤخرا معرضا تعليميا في الدوحة للتعريف بجامعاتها واستقطاب الطلاب العرب، ضمن سلسلة من هذه الفعاليات التي تقيمها في العديد من الدول العربية والإفريقية، في إطار سياستها التي تركز في السنوات الأخيرة على القوى الناعمة والاعتماد على التهدئة والدبلوماسية في المنطقة.

وحضر المعرض الذي نظمت مؤسسة "يونايتد التعليمية" الأهلية المعنية بتقديم الاستشارات الأكاديمية للطلاب، السفير التركي في قطر مصطفى غوكصو، ورئيس جامعة "يني يوزيل" الخاصة التركية، يشار حاجي صالح أوغلو، وعدد من الطلاب وأسرهم.

وفي تصريح صحفي، قال غوكصو إن تركيا تعد وجهة تعليمية جذابة للطلاب الدوليين. وأضاف "أصبحت تركيا دولة مفضلة لدى العديد من الطلاب في جميع أنحاء العالم بجامعاتها العريقة وجودة التعليم وفق المعايير الدولية وفرص المنح الدراسية الواسعة". وأشار إلى تنامي التعاون التعليمي بين قطر وتركيا يوما بعد يوم.

وخلال المعرض، قدم ممثلون عن عدد من الجامعات التركية، معلومات مفصلة للطلاب الزائرين حول الفرص التعليمية والبرامج الأكاديمية ومرافق الحرم الجامعي وفرص المنح الدراسية في تركيا.

ويعتبر استقطاب الطلاب إلى جامعاتها من بين أبرز الاهتمامات التي توليها أنقرة للتقارب مع المنطقة، مستفيدة من القرب الجغرافي والاجتماعي والديني مع العرب، لذلك تعمل على تنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة للتعريف بجامعاتها في الدول العربية.

وليست هذه المرة الأولى التي تنظم فيها مثل هذه الفعاليات، لكن يبدو أنها ماضية في ترسيخ تعاون أوثق وأوسع من خلال الترويج للتعليم التركي، والاستثمار في ما تحتاجه السوق العربية على مستوى الترفيه والتعليم والفنون والسياحة والاقتصاد، نظرا لما تجنيه من مكاسب على كافة المستويات، بعيدا عن التدخل السياسي والتوتر الذي تسبب به احتضانها لجماعة الإخوان طيلة سنوات دون نتائج مهمة، وساهم في تسميم أجواء العلاقة التاريخية بين العرب والأتراك.

وتكررت الخطوة التركية في عدة دول عربية، منها من احتفظت بعلاقات جيدة بسبب التحالفات السياسية ذات الخلفية الإسلامية مثل ليبيا ومنها من كانت العلاقات معها أشبه بحرب باردة في ظل توتر سياسي حاد مثل مصر.

ففي ليبيا وقع معهد "يونس إمره" التركي مع جامعات ليبية بروتوكولا لافتتاح فرع للمعهد فيها وإقامة مختلف الفعاليات والأنشطة. وقال القنصل العام التركي في مصراتة غوركان غورمريجليلر، أن معهد يونس إمره يقيم دراسات أكاديمية بخصوص اللغة التركية وآدابها.

وتمكنت تركيا بفضل سياستها الجديدة من إنهاء حالة القطيعة من مصر، وحتى الدخول في شراكات مهمة في السوق المصرية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تمّ الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة؛ تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في 4 سبتمبر/أيلول الماضي.

وأكد رئيس مجلس التعليم العالي التركي، إيرول أوزفار، حرص البلدين على تعزيز التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، ومن بينها مجال التعليم.

وقال أوزفار، في تصريحات على هامش زيارته القاهرة؛ تلبية لدعوة وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري محمد أيمن عاشور نقلتها وسائل إعلام تركية، إن قرار إنشاء جامعة مشتركة يعدّ من أهم الخطوات التي اتخذتها مصر وتركيا في مجال التعليم العالي خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف أنه بحث مع وزير التعليم المصري سبل تعزيز التعاون في مجال التعليم العالي بين تركيا ومصر.

وفي الواقع فقد جنت تركيا ثمار هذه السياسة، حيث بلغ عدد الطلاب الأجانب في تركيا 338 ألفا و161 طالبا في العام 2024، بحسب الرئيس رجب طيب أردوغان خلال كلمة ألقاها بإسطنبول بقمة تعليمية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وأوضح أردوغان أن تركيا ضمن الدول الـ 10 الأولى عالميا في استقبال الطلاب الأجانب، مبينا أن بلاده تخصص 4.76 بالمئة من طاقتها الاستيعابية في التعليم العالي للطلاب الأجانب.

وعملت الجامعات التركية في السنوات الأخيرة على إدخال اللغة العربية بهدف جذب الطلاب من الدول العربية والإسلامية، ومن بين المؤسسات المتخصصة في العربية، أكاديمية باشاك شهير للعلوم العربية والإسلامية، وتسعى إلى أن تصبح أول جامعة تركية مرخصة تدرس بالعربية 100  بالمئة.

وانطلقت الأكاديمية بستِ كليات، هي الشريعة الإسلامية وأصول الدين والتربية الإسلامية والدعوة والإعلام الإسلامي واللغة العربية، وتحاول توفير المواصفات اللازمة لتحقيق برنامج الإدارة، والتعليم بمستوى الإجازة والدراسات العليا، ويدرس لديها حاليا 270 طالبا وطالبة عربا وأتراكًا ومن جنسيات مختلفة.

وتراهن الأكاديمية على المساهمة في استقطاب 35 ألف طالب، يهاجرون من تركيا سنويا لتعلم العربية والعلوم الشرعية في بلاد عربية.

وتضاف إلى هؤلاء أعداد أخرى من المقيمين العرب في تركيا، وهي الجاليات التي تسهم في تدريس العربية من جهة، ومن جهة أخرى تبحث عن مؤسسات مسجلة لدى الدولة تمكن أبناءها من العلوم الإسلامية وآداب اللغة العربية، ما ينبئ بما يمكن وصفه بأنه "سوق تعليمي" ينمو.

وقال أستاذ القانون في جامعة ماردين، وسام الدين العكلة، إن التعليم العالي بات أمراً أساسياً في تركيا، إلى جانب السياحة والصناعات العسكرية وزيادة الصادرات. والهدف هو تحسين تصنيف جامعاتها دولياً وزيادة عدد الطلاب الأجانب ونشر الأبحاث في مجلات علمية مصنفة، واعتماد معايير صارمة تتعلق بالحوكمة والمناهج والأبحاث، ليتحسن تصنيفها عالمياً.