الجيش الإسرائيلي ينسحب من قرى حدودية لبنانية عشية انتهاء المهلة

الانسحاب يأتي بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه سيبقى في خمس 'نقاط استراتيجية' في الجنوب اللبناني رغم محاولات بيروت الحثيثة للضغط من أجل التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
إسرائيل تهدد بالتحرك بقوة ضد أي تهديد من جانب حزب الله بعد اصرارها على البقاء في خمس نقاط
الأمم المتحدة تقول إن أي تأخير في انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان انتهاك للقرار 1701

بيروت - قال مسؤول أمني لبناني الإثنين إنّ الجيش الإسرائيلي بدأ بالانسحاب من قرى حدودية لبنانية مع تقدّم الجيش اللبناني للانتشار فيها بعدما أعلنت الدولة العبرية أنّ قواتها ستبقى في خمس "نقاط استراتيجية" في جنوب لبنان عشية انتهاء المهلة المحدّدة لانسحابه.

وقال بيان صادر عن الاجتماع الاستثنائي بين الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام اليوم الثلاثاء إن لبنان سيعتبر أي استمرار للوجود الإسرائيلي على أراضيه احتلالا، مع التأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لضمان انسحاب إسرائيل.
وجاء في البيان "إزاء تمادي إسرائيل في تنصلها من التزاماتها وتعنتها في نكثها بالتعهدات الدولية، يعلن المجتمعون... التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أقر القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية".
وأكد البيان تمسك الدولة اللبنانية "بحقوقها الوطنية كاملة وسيادتها على كامل أراضيها، والتأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الإسرائيلي".
وكان عون أبدى خلال لقاءاته الإثنين، وفق ما أوردت الرئاسة في بيانات عدة، تخوف بلاده من عدم تحقيق "الانسحاب الإسرائيلي الكامل". ودعا "الدول التي ساعدت في التوصل الى الاتفاق، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.. إلى أن تضغط على إسرائيل للانسحاب وتنفيذ الاتفاق".

وقد رأت الأمم المتحدة الثلاثاء أن أي تأخير في انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، بعيد انتهاء مهلة الانسحاب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، يعد انتهاكا للقرار الدولي 1701.

وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت وقائد قوة يونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو في بيان مشترك أن "اليوم يصادف نهاية الفترة المحددة لانسحاب الجيش الإسرائيلي الى جنوب الخط الأزرق وانتشار القوات المسلحة اللبنانية بشكلٍ مواز في مواقع في جنوب لبنان". وحذرت من أن "أي تأخير آخر في هذه العملية يناقض ما كنا نأمل حدوثه، ولا سيما أنه يشكل انتهاكا مستمرا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701"، الذي انهى صيف 2006 حربا مدمرة بين حزب الله واسرائيل.

وليل الإثنين، أفاد المسؤول الأمني اللبناني طالبا عدم كشف هويته بأنّ "القوات الإسرائيلية بدأت بالانسحاب من قرى حدودية بما في ذلك ميس الجبل وبليدا مع تقدّم الجيش اللبناني".
ويسري منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني وقف لإطلاق النار، أُبرم بوساطة أميركية ورعاية فرنسية. وكان يُفترض أن تنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون ستّين يوما، قبل أن يتمّ تمديده حتى 18 فبراير/شباط.
وقال المتحدّث العسكري الإسرائيلي ناداف شوشاني للصحافيين "بناء على الوضع الراهن، سنترك قوات محدودة منتشرة مؤقتا على طول الحدود مع لبنان، بحيث نواصل الدفاع عن سكّاننا ونتأكد من عدم وجود تهديد فوري".

وبلهجة فيها كثير من التهديد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الثلاثاء إبقاء قوات إسرائيلية في نقاط محددة في جنوب لبنان متوعدا حزب الله بتحرك قوي في حال انتهاكه وقف إطلاق النار.

وقال كاتس في بيان "اعتبارا من اليوم سيبقى (الجيش الإسرائيلي) في منطقة عازلة في لبنان مع خمس نقاط إشراف وسيستمر في التحرك بقوة ومن دون أي مساومة ضد أي انتهاك (للهدنة) من جانب حزب الله".

وجاء ذلك بعد تأكيد مسؤولين لبنانيين رفضهم احتفاظ القوات الإسرائيلية بمواقع في الجنوب اللبناني بعد انتهاء مهلة انسحابها.
وحمّل الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأحد الدولة اللبنانية مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية بحلول 18 فبراير/شباط.
وجاءت المواقف اللبنانية غداة اعتبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه "يجب نزع سلاح حزب الله، وإسرائيل تفضّل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمّة".
وردّا على ذلك، قال عون إنّ "المهمّ هو تحقيق الانسحاب الإسرائيلي، أما سلاح حزب الله فيأتي ضمن حلول يتّفق عليها اللبنانيون".
وفي خضمّ الجدل حول مصير سلاح الحزب الذي أضعفته المواجهة الأخيرة مع اسرائيل، تعهّدت الحكومة في بيانها الوزاري الذي أقرّته الإثنين الالتزام بـ"تحرير جميع الأراضي اللبنانية، وواجب احتكار الدولة لحمل السلاح، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا".
والتزمت الحكومة كذلك في بيانها الوزاري الذي يتعيّن أن تتقدّم به إلى البرلمان لنيل ثقته قبل مباشرة عملها، بتطبيق القرار 1701 "كاملا وبدون اجتزاء ولا انتقاء"، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن الذي أنهى صيف 2006 حربا بين اسرائيل وحزب الله، ونص على حصر السلاح بيد القوى الشرعية.
وأكدت الحكومة كذلك التزامها بوقف إطلاق النار الذي أقرّته الحكومة السابقة في 27 نوفمر/تشرين الثاني.
ونصّ الاتفاق على وقف تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بعد حرب امتدت نحو عام وتخلّلها توغّل برّي إسرائيلي في مناطق لبنانية حدودية.

الجيش اللبناني يدخل بعض النقاط الحدودية بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي
الجيش اللبناني يدخل بعض النقاط الحدودية بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي

ولم ينشر النص الحرفي الرسمي للاتفاق، لكنّ التصريحات الصادرة عن السياسيين اللبنانيين والموفدين الأميركيين والفرنسيين تحدّثت عن خطوطه العريضة.
ونصّ الاتفاق على تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة في الجنوب (يونيفيل)، وعلى انسحاب حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية، على أن يتولى الجيش اللبناني ذلك.
وخلال الأسابيع الماضية، تبادل الجانبان الاتهامات بخرق الاتفاق. وأكدت إسرائيل أنّها لن تسمح للحزب بإعادة بناء قدراته أو نقل أسلحة.
وانسحبت القوات الإسرائيلية من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط في جنوب لبنان، لكنّها لا تزال تتمركز في بعض قرى القطاع الشرقي حيث تنفّذ بشكل شبه يومي عمليات تفجير واسعة النطاق، بالإضافة إلى تنفيذها عددا من الغارات الجوية والاستهدافات، ما تسبّب بسقوط قتلى.

وعاد سكان جنوب لبنان إلى قراهم المدمرة اليوم الثلاثاء بحثا عن جثث ذويهم الذين قتلوا في الحرب التي اندلعت العام الماضي بين إسرائيل وجماعة حزب الله مع انسحاب القوات الإسرائيلية من معظم الأراضي.
وفي الطريق إلى كفركلا الحدودية التي تعرّضت لدمار هائل، سار العشرات من الأهالي منذ الصباح بين حقول الزيتون متوجهين نحو قريتهم التي غادروها منذ أشهر طويلة ليعاينوا تباعا منازل مدمّرة بالكامل.
ومن بين هؤلاء، علاء الزين الذي قال متأثرا إن "القرية منكوبة، أشبه بهيروشيما وناكازاكي، وكأن حربا نووية شنّت على كفركلا".
وعلى الرغم من الدمار الهائل، لكن "سكّان القرية جميعهم عائدون"، مضيفا "سننصب خيمة ونفترش الأرض".
ورغم الدمار الهائل وغياب مقوّمات الحياة من بنى تحتية وخدمات أساسية، يتلهّف النازحون للعودة لمعاينة ممتلكاتهم وانتشال جثث مقاتلين من أبنائهم، بعدما منعت القوات الإسرائيلية عودتهم طيلة الأشهر الماضية.
وانتظر آخرون عند أحد مداخل كفركلا برفقة الجيش اللبناني وسيارات الاسعاف التي استعدّت للدخول لانتشال جثث مقاتلين، على غرار سميرة جمعة التي جاءت بحثا عن شقيقها المقاتل.
وتقول المرأة بتأثّر "جئت بحثا عن أخي الشهيد في كفركلا، جاء إلى هنا مع رفاقه(...)ولا نعرف عنهم شيئا حتى الآن، لدينا يقين أنهم استشهدوا لكن نأمل أن يظهر عنهم شيء".

وقال السياسي اللبناني الكبير علي حسن خليل، الذي ينحدر من الجنوب، إن مئات السكان ذهبوا لتفقد أكثر من ست قرى صار الوصول إليها ممكنا، مضيفا أن الجيش اللبناني لا يزال يعمل على فتح الطرق، متابعا أن استمرار بقاء القوات الإسرائيلية ينكأ جراحا.

وفي يارون، وهي قرية أخرى في لبنان تقع على خط المواجهة، حملت امرأة باقة من زهور الربيع بيد وراية حزب الله ذات اللون الأصفر في اليد الأخرى بينما كانت تتفقد الدمار. وانتشل عمال الإنقاذ جثة واحدة على الأقل من تحت الأنقاض.

وقالت سهيلة ضاهر وهي من السكان العائدين "شعورنا ممزوج بالفرح والحزن. فيه شُهدا بعد ما شيلناها". وأضافت "الدمار كله بيتعوض الحمد لله بس الشُهدا مش هترجع".

وأكّد الجيش اللبناني صباح الثلاثاء في بيان إن وحدات عسكرية انتشرت في 11 قرية بينها كفركلا و"مواقع حدودية أخرى في منطقة جنوب الليطاني ذلك بعد انسحاب العدو الإسرائيلي.
وتكرّر المشهد على الطريق المؤدي الى بلدتي الطيبة والعديسة، حيث تجمعت ارتال من السيارات بانتظار أن يسمح لهم الجيش اللبناني بالدخول الى البلدتين، وفق ما شاهد مصور لفرانس برس. وذكر ان سيارات اسعاف كانت في عداد الرتل.
وفضلت عشرات العائلات التحرك سيرا على الاقدام، قبل السماح بدخول السيارات. وحملت سيدات صور افراد عائلاتهن من مقاتلي حزب الله الذين قضوا في المعارك مع القوات الإسرائيلية. وحمل البعض الأعلام اللبنانية ورايات الحزب الصفراء.
وأدّت ضربة إسرائيلية على مدينة صيدا في جنوب لبنان الإثنين إلى مقتل مسؤول عسكري في حركة حماس.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنّ الغارة "قضت على الإرهابي محمّد شاهين الذي شغل منصب قائد مديرية العمليات لحماس في لبنان" بعدما "عمل في الفترة الأخيرة على الترويج لمخططات إرهابية بتوجيه وتمويل إيراني انطلاقا من الاراضي اللبنانية".
واستنزفت المواجهة المفتوحة بين حزب الله واسرائيل الحزب، الذي كان يعد القوة العسكرية والسياسية الابرز في لبنان، بعدما قضت على جزء من ترسانته العسكرية وعدد من قادته أبرزهم أمينه العام السابق حسن نصرالله الذي يُشيّع الأحد في ضاحية بيروت الجنوبية.
ودمّرت الغارات الإسرائيلية مناطق في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. وتقول السلطات اللبنانية إن كلفة إعادة الإعمار بشكل اولي تراوح بين 10 و11 مليار دولار.
ولا يزال أكثر من مئة ألف لبناني في عداد النازحين من إجمالي أكثر من مليون شخص فروا منها خلال الحرب.
ونبّهت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان الإثنين الى أن تدمير البنية التحتية يحول دون عودة عشرات آلاف إلى منازلهم.
وقال الباحث لدى المنظمة رمزي قيس "تعمّد إسرائيل هدم منازل المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة يجعل من المستحيل على العديد من السكان العودة إلى قراهم ومنازلهم".
وتابع "حتى لو كانت منازلهم لا تزال موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الصحية؟".