عبدالعزيز الهمامي يتأمل برومانسية عالية في 'ما بقي من حجارة النّهر'
الشاعر التونسي عبدالعزيز الهمامي من الشعراء الذين استطاعوا أن يخطو خطوات نحو القصيدة العربية وممن أخلصوا لعمود الشعر العربي، صدر له حديثا ديوان شعري جديد في طبعة أنيقة يحمل عنوان "مَا بَقِيَ مِنْ حِجَارَةِ النّهر" وهو خامس إصدارات الشاعر التي رَأت النّور بعد "أبجديّة الماء والرّمل"* الصادر سنة 2011، و"مسافات غامضة" الصادر سنة 2015، ثمّ "هديل الغيمة" سنة 2018 الحائز على جائزة عبدالعزيز البابطين في دورتها السابعة عشرة، يليه بعد ذلك ديوانه "رفيف فوق مياهٍ أسنة" الصادر سنة 2022.
وقد تميّز الديوان الجديد بحجم عدد صفحاته التي بلغت 144 صفحة اشتمل معظمها على القصائد العموديّة باستثناء بعض الومضات والقصائد القصيرة التي أضفت على محتوى الديوان طابعا من التنوع.
أما عن عنوان هذه المجموعة الشعرية الجديدة فقد ورد واضحا في ظاهره ولكنّه يحمل الكثير من الدلالات في باطنه، فهو مفتوح على التأويل وهناك على سبيل المثال من يعتبره رمزا للكفاءات البشرية الحقيقية التي تبقى في النهاية هي الأصل والمرجع والتاريخ حتى وان تعمّد البعض إخفاءها أو وضعها بعيدا عن دائرة الضوء ولكنّها تظلّ رغم التحديات صلبة ثابتة وقوية كالحجارة التي تبدو للعين كالجواهر الثّمينة وتزداد صفاءً ونقاءً وطهارة في قاع النّهر لذلك شكّل العنوان أولى عتبات هذه المجموعة ومدخلا مهمّا للولوج إلى عوالم ومضامين النّصوص.
ومن هذا المنطلق، فإن الشاعر عبدالعزيز الهمّامي يرى أنّه حرص على توظيف الطّابع الرومانسي الحديث في كتاباته والانعطاف أحيانا على استخدام الرّموز والانزياحات والتّناص إلى غير ذلك من أدوات العمل الشّعري.
وتشكّل مضامين الديوان ملاحقة للرّاهن اليومي وانخراط في قضايا الإنسان في حياتنا اليوميّة الأليفة، كما يلعب الخيال دورا مهمّا في الصورة الشعريّة المعبّرة عن هذا الزمن الحافل بالضجيج والتقلبات لذلك فإن الشاعر يرى ذاته المغتربة وهي تُحلّق داخل النّص وتسكب ماء عواطفها وهواجسها على اللّغة.
ويعتبر عبدالعزيز الهمّامي أنّ القلق الّذي يبسط أجنحته الثّقيلة على جانب من نصوصه يدفعه إلى الارتماء في أحضان الحلم والسّفر بالكلمات أحيانا إلى الأقاصي فقد يكون هناك متّسع للهدوء يشتمّ شاعرنا من خلاله رائحة الأمكنة البعيدة الصّافية ويقتحم مناطق نائية لا يعرفها لأنّ الشّعر في نهاية المطاف هو الجمال والسّحر والموسيقى وهو الدهشة الّتي تغمر القارئ ولا شيء تستعذبه الذّائقة غير القصائد التي تُعيد للقفرخضرتَه وللطّيور أجنحتها وللغيمة أمطارها.
كلّ ذلك يراه الهمّامي في ديوانه مغامرة شعريّة لذيذة بين المرئي واللامرئي ورغبة ممتعة لاستشراف الأشياء الغائبة.