حب أخوي في عالم ينهار 'في الغابة'
تأخذنا رواية"في الغابة" (Into the Forest) لجين هيغلاند، إلى قلب تجربة حسية مكثفة، حيث يبدو أن كل كلمة تحمل ثقل البقاء والحب الأخوي. العلاقة بين الأختين، نيل وإيفا، هي الخيط المشترك لهذه القصة، المنسوجة في عالم يعيش حالة من الاضمحلال. حبهما لبعضهما، نابض بالحياة، إنه مرساة حية في عالم ينهار.
منذ الصفحات الأولى، يشعر القارئ بنوع من الحميمية، مثل صفحات مذكرات شخصية مليئة بالتأملات والذكريات الحميمة. تجد نيل وإيفا نفسيهما معزولتين في منزل عائلتهما، حيث تتفكك الحضارة من حولهما ببطء. تكشف هذه العزلة القسرية عمق علاقتهما، المكونة من الصمت المشترك والنظرات المتبادلة والإيماءات البسيطة، ولكنها ذات معنى.
تلعب الطبيعة في هذه الرواية دورا محوريا، إلى الدرجة التي جعلتني أشعر بأنها شخصية في حد ذاتها. هذه الغابة التي تحيط بمنزلهما ليست مجرد ديكور، ولكنها مكان للعيش والتغيير، تكون أحيانا معادية، وأحيانا واقية. كل شجرة، وكل حفيف لأوراقها، وكل هبة ريح، تبرز عزلة الأختين، بينما تسلط الضوء على مرونتهما. تصبح الغابة مرآة لتطورهما وتكيّفهما وكفاحهما من أجل البقاء.
تتميز قصة جين هيغلاند بالكآبة، وبفقدان الاتجاه وعدم اليقين بشأن المستقبل. لكن في قلب هذا الظلام هناك لحظات نور، لحظات عابرة من الجمال تنير الظلام المحيط. ذكريات الحياة الماضية، وأحلام المستقبل المحتمل، كلها تمتزج في رقصة رقيقة بين الأمل واليأس.
الحب الذي يجمع بين نيل وإيفا هو ملجأ من جنون العالم الخارجي. يتجلى هذا الحب في أشياء صغيرة: كوب شاي مشترك، رقصة مرتجلة، ابتسامة متبادلة بالقرب من النار. إنه قوتهما وضعفهما، والرباط الذي لا ينكسر والذي يدفعهما للقتال يوما بعد يوم. وهو أيضا مصدر آلامهما، لأنه في كل قرار يتم اتخاذه، وفي كل تضحية يتم تقديمها، هناك خوف من فقدان الآخر.
يتم وصف العالم المنهار الذي تعيشان فيه دون الكثير من الدقة... يساهم غياب الموارد والتهديد المستمر بالخطر والتدهور التدريجي لبيئتهما في خلق جو من نهاية العالم. ومع ذلك، في هذا السياق أيضا، تكتسب شجاعتهما وتصميمهما معنيهما الكاملين. تستمدان من تعاليم والدهما، ومن الكتب التي تركتها والدتهما، ومن ذكريات حقبة ماضية، وسائل الاستمرار والمثابرة رغم كل شيء.
"في الغابة" ليست استكشافا للبقاء الجسدي فحسب، بل أيضا للبقاء العاطفي والروحي. تصبح الموسيقى والرقص والقراءة أعمال مقاومة، ووسائل للحفاظ على إنسانيتهما في مواجهة التهديدات التي تحيط بهما. تتعلم نيل وإيفا العيش مرة أخرى، ليس كما فعلتا من قبل، ولكن بوعي جديد لما هو ضروري حقا.
ليست نهاية العالم حدثا كارثيا بقدر ما هي سلسلة من الوفيات الصغيرة: نهاية الكهرباء والاتصالات والمجتمع كما عرفتاه. ولكن من خلال هذه الخسائر، هناك أيضا ولادة جديدة، وإعادة اكتشاف الذات والآخر. تعيش روحاهما لأنهما تتعلمان العثور على الجمال في البساطة، وعلى القوة في الاتحاد.
حين فرغت من قراءة هذه الرواية، انتابني شعور بالحزن الممزوج بصفاء غريب. تكمن قوة الرواية في قدرتها على تصوير هشاشة الحالة الإنسانية وقوة الحب الأخوي. لم أخرج من هذه القراءة سالما، وإنما خرجت متحولا، خرجت برؤية جديدة للروابط التي توحدنا والمرونة الكامنة في كل واحد منا. توضح لنا نيل وإيفا أنه حتى في أحلك الأوقات، هناك دائما بصيص من الأمل، ونجم يجب اتباعه، وقلب يحب.