ملك الأردن يزور الرياض وسط تطورات إقليمية متسارعة
عمان/الرياض - بدأ العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، صباح الأربعاء، زيارة عمل إلى المملكة العربية السعودية يرافقه فيها ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، في تحرك دبلوماسي يأتي وسط تحولات عميقة تشهدها المنطقة، أبرزها تداعيات حرب غزة، والتطورات في الملف السوري، وتراجع النفوذ الإيراني في الإقليم، لا سيما لدى وكلائه التقليديين في لبنان واليمن.
وجاء في بيان مقتضب صادر عن الديوان الملكي الأردني، أن "الملك عبدالله الثاني غادر أرض الوطن متوجهاً إلى المملكة العربية السعودية في زيارة عمل"، دون الإشارة إلى مدة الزيارة أو تفاصيل برنامجها. إلا أن مصادر سياسية مطلعة تربط هذه الزيارة بسلسلة من التحركات الإقليمية المتسارعة، التي تُعيد رسم توازنات القوى في الشرق الأوسط.
الزيارة، وإن لم يُكشف عن جدول أعمالها بشكل رسمي، تأتي في لحظة مفصلية تحمل ملامح تحوّلات استراتيجية في ميزان القوى الإقليمي بين تراجع الحضور الإيراني، ومحاولات إعادة دمج سوريا في النظام العربي، والحرب المستمرة في غزة، يجد الأردن والسعودية أنفسهما في موقع قيادة إقليمية لحماية ما تبقى من التوازن العربي.
ولعلّ هذه الزيارة تُمهّد لمرحلة جديدة من التنسيق الثنائي في مختلف القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى مبادرات استقرار أكثر من أي وقت مضى.
كما أن الزيارة تأتي في وقت بالغ الحساسية، إذ تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية وعمليات تهجير قسري للفلسطينيين. وفي سياق متصل، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا ممنهجًا في الاعتداءات، ما يجعل التنسيق الأردني السعودي حيويًا في ظل وحدة المواقف بين البلدين تجاه ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي، ومنع تهجير السكان الفلسطينيين.
وعلى الصعيد السوري، يشهد الملف تحولات لافتة، مع ما يُوصف بإعادة تموضع للسلطات السورية الجديدة، واستئناف بعض أشكال الانفتاح العربي عليها، لا سيما من قبل السعودية والأردن. وقد شكّل دعم الرياض وعمّان للتوجهات السياسية الجديدة في دمشق سابقة إقليمية تعكس تراجعًا في تأثير الفاعلين التقليديين المرتبطين بإيران داخل سوريا، وعلى رأسهم حزب الله والميليشيات الأخرى.
ويُنظر إلى الزيارة كذلك في سياق متصل بتراجع الهيمنة الإيرانية غير المباشرة في عدد من الملفات الساخنة بالمنطقة. ففي لبنان، يُواجه حزب الله ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة، بينما تتلقى جماعة الحوثي في اليمن ضربات موجعة تُهدد مواقعها الاستراتيجية، في ظل دعم خليجي واضح لاستقرار اليمن ورفض التوسع الإيراني.
وتتقاطع المصالح الأردنية والسعودية في دعم الاستقرار الإقليمي ومواجهة التدخلات الخارجية، لا سيما من قبل طهران. كما تجمع البلدين علاقة استراتيجية متينة مع الولايات المتحدة، حليفتهما الأبرز في ملفات الأمن والدفاع والاقتصاد. وتحظى عمّان والرياض بدعم واسع من الإدارة الأميركية، التي تُعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة وفق حسابات أمن الطاقة، واستقرار الحلفاء التقليديين.
إلى جانب البعد السياسي والأمني، تُحمل الزيارة أبعادًا اقتصادية واضحة، إذ يُواجه الأردن تحديات مالية متزايدة، على خلفية تراجع المساعدات الدولية، وتباطؤ النمو الاقتصادي، والضغوط الاجتماعية المتزايدة. ويسعى العاهل الأردني إلى تأمين دعم اقتصادي إضافي من المملكة العربية السعودية، من شأنه أن يعزز استقرار المملكة الأردنية، خصوصًا في ظل احتجاجات شعبية سابقة ارتبطت بتكاليف المعيشة وغلاء الأسعار.
ويُنتظر أن تشمل المباحثات ملفات التعاون الاقتصادي، والاستثمارات السعودية في مشاريع البنية التحتية والطاقة، والتنسيق في مشاريع إقليمية كبرى، مثل الممر البري العربي الذي يجري العمل على تطويره بدعم سعودي.
ومن المرجح كذلك أن تتناول المباحثات التحديات التي تواجه الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، وهي نقطة تحظى باهتمام خاص من القيادة الأردنية، وتتلاقى مع مواقف السعودية الداعمة لعدم المساس بوضع القدس القانوني والتاريخي.
وتُعتبر هذه الزيارة امتدادًا لتنسيق دائم بين القيادتين الأردنية والسعودية، في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيدات متلاحقة تتطلب وحدة في الموقف العربي، خاصة من الدول ذات الثقل الإقليمي والدور السياسي المؤثر.