تساؤلات الإستقرار ومُعضلة شكل الحُكم في سوريا الجديدة

السوريون أمام مشهد شديد الوضوح. هو مشهد يميط اللثام عن قوى مسلحة سورية ومعها عناصر أجنبية يُدارون عبر قرار تركي، وهذا القرار في جوهره ومضمونه لا يتطابق مع مصلحة عموم السوريين.

من نافلة القول بأن الحديث عن الشأن السوري تحكمه الكثير من التساؤلات التي تؤطرها بذات التوقيت هواجس جمّة حيال المرحلة المقبلة، وهذا لا يتعارض مع منطق الحدث السوري عقب سقوط نظام الأسد. والأمر ذاته لا يحكم توجهات السوريين فحسب، بل ثمة حكومات إقليمية ودولية تتابع الشأن السوري بعين الترقب والحذر حيال شكل النظام الجديد في سوريا وطبيعة الحُكم وتأثيرات ذلك على الداخل السوري أولاً وتالياً التأثيرات التي من الممكن أن تطال النظم السياسية في الإقليم، والأكثر وضوحاً حتى الآن في ما يتعلق بالحدث السوري، بأن التساؤلات المطروحة حيال مستقبل سوريا أكثر من الإجابات، وتلك التساؤلات وعلى أهميتها إلا أنها لا تزال ضمن مسار غير واضح المعالم، خاصة عند النظر ملياً في عمق الحدث السوري ما قبل سقوط الأسد وما بعده.

إشكالية التساؤلات التي تحكم الحدث السوري تؤطرها معضلة عميقة تتعلق في بُعدين حيال التوجهات والمصالح، وضمن ذلك يبرز جلياً سؤال النجاح ومراهناته سواء في المرحلة الحالية أو المقبلة. البُعد الأول لسؤال النجاح يتعلق بحالة الإستقرار في الحُكم لصالح الإدارة الجديدة، وينبثق عن هذا البُعد الثاني الذي يتعلق بمدى إمكانية الإستمرار في الحُكم ضمن جُملة واسعة من التناقضات الداخلية حيال تصريحات الحُكام الجُدد والتي لا تُترجم إلا عبر المزيد من الإنتهاكات التي يتم توثيقها، بالإضافة إلى تداخل المصالح الإقليمية في الحدث السوري، ويغيب عن أصحاب هذين البُعدين أن الأصل في النجاح يتمثل في تقديم نموذج سوري للحُكم قابل للحياة والإستمرارية وقادر في نفس التوقيت على تقديم مصالح السوريين على مصالح وتوجهات القوى الداعمة للحُكام الجُدد في سوريا.

ثمة هواجس كثيرة تُراود السوريين حيال طبيعة نظام الحكم وشكله القادم، وضمن ذلك يتساءل كثيرون حيال أحمد الشرع وقدرته على طيّ صفحة الماضي "الميليشياوي" والإنتقال إلى نموذج الإدارة الناجح، خاصة أن حالة الإحتفاء الغربي والعربي التي تحيط به، تعطي توقعات وحالة من التفاؤل حيال تقديم مفاهيم جديدة للحُكم. وهنا تبرز معضلة الإسلام السياسي ونماذجه التي لا تزال حاضرةً في العقل العربي، ومن ذلك حركة الإخوان المسلمين التي وصلت لحكم مصر لكنها لم تتمكن من البقاء لأكثر من سنة، وتم الإطاحة بها عبر حركة شعبية واسعة رفضت سياساتها، وكذا في تونس حيث أخفقت الحركة في تأسيس حُكم قوي وأُطيح بها عبر الانتخابات. وثمة الكثير من النماذج التي يمكن إستحضارها وإسقاطها على الحدث السوري، لكن رغم ذلك تبقى للملف السوري خصوصيته السياسية والإجتماعية، وهذا ما يفرض على الإدارة الجديدة تحديات تتعلق بجُملة واسعة من القضايا المتعلقة بطبيعة المجتمع السوري الغنيّ بتنوعه.

بصرف النظر عن ما سبق، لكن الكثيرين اليوم يقدمون النموذج التركي كمشهد يمكن إستنساخه في سوريا، خاصة مع الدعم الذي تحظى به القيادة السورية الجديدة من قبل تركيا، وبذات التوقيت ثمة فريق آخر يراهن على تزاوج الدين مع السياسة وإنتاج النموذج الشيعي الإيراني في سوريا. بين النموذجين ثمة حالة من الإغتراب السياسي والفكري رسخته طريقة إدارة الحكم، وقد يظن البعض أن النموذج التركي تجاوز فكرة خلط الدين بالسياسة، خاصة أن أردوغان حاول الحفاظ على حداثة الحكم بمفهومه العلماني.

بعيداً عن الغوص في تفاصيل فكرة الحكم في تطبيقاتها السنيّة والشيعيّة السياسية، وما يرتبط بها من ممارسات تقبل مثلاً الفكرة البرلمانية لكن تُبقيها في إطارها الشكلي، إلا أن المرحلة السورية الراهنة تحكمها الكثير من المخاوف، وما بين القوة العسكرية للفصائل وما تقدمه تركيا من دعم، فإن الجميع يخشى الوصول إلى إحتمال التصادم العسكري بين الفصائل التي تحمل أسماء متعددة. صحيح أن غالبيتها تُدار تُركياً، لكن يبقى الهاجس الأهم هو دمج هذه الفصائل ضمن فصيل عسكري واحد أو جيش سوري يُدار وطنياً. وفي العمق أيضاً فإن هناك تساؤل أساسي يدور حول التنظيمات والفصائل التي تتقاسم الحُكم مع الشرع، وقدرتها حيال مراجعة منطلقاتها العقائدية. وبصرف النظر عن خطاب الشرع المعتدل نسبياً، لكن تبقى هناك مراهنات حيال المسار السوري الجديد، ولا شك بأن الصعوبات لا يمكن حصرها، وربما قد تطغى تلك الصعوبات على مسار الوصول إلى شكل الحكم في سوريا الجديدة.

حقيقة الأمر لا يمكن إختزال التحديات والصعوبات التي تواجه الحكم السوري الجديد بما سبق من معطيات. بهذا المعنى ثمة قضية تتعلق بدور القوى السياسية المحلية والتي ترتبط بقوى خارجية، وإمكانية إخراج نموذج سياسي ناجح. لكننا اليوم كسوريين أمام مشهد شديد الوضوح. هو مشهد يميط اللثام عن قوى مسلحة سورية ومعها عناصر أجنبية يُدارون عبر قرار تركي، وهذا القرار في جوهره ومضمونه لا يتطابق مع مصلحة عموم السوريين، ويكفي أن نلتفت إلى الأطماع التركية في سوريا، ليقفز إلى أذهان الكثيرين تساؤل جوهره معضلة سياسية قائمة حيال شكل أو أشكال الحكم في سوريا الجديدة، وضمن ذلك يبقى التساؤل الأبرز "من سيستطيع تغيير شكل الحكم في سوريا أو فرضه؟!"