خطوط حمراء أم خطوط الشك والريبة

العقدة الاساسية في تزايد الشك من نوايا طهران في إنتاج السلاح النووي، يأتي من الربط الذي يجري بين هذا البرنامج وبين النهج السياسي ـ الفكري الذي يتم إتباعه في إيران.

طوال أكثر من عقدين، حرص القادة والمسٶولون الإيرانيون على إطلاق تصريحات يؤكدون فيها سلمية البرنامج النووي الايراني بل وحتى قد وصل الحال بإصدار فتوى من جانب المرشد الاعلى للنظام بحرمة إنتاج الاسلحة النووية، لكن كل ذلك الكم وما ييتبعه لحد الان من تصريحات بهذا السياق لم تكن كافية لإزالة عوامل الشك والريبة الاقليمية والدولية بنوايا طهران الحقيقية بشأن برنامجها النووي.

طابع السرية والغموض الذي إتسم به البرنامج النووي الايراني منذ الشروع به في عهد الرئيس الاسبق محمد خاتمي ولحد الان، كان تأثيره أقوى بكثير من التصريحات والمواقف التطمينية الايرانية ويكفي أخذ مستوى تخصيب اليورانيوم نموذجا بهذا الصدد إذ إرتفع الى حد بات قريبا من جعله مناسبا وكافيا لإنتاج القنبلة النووية.

العقدة الاساسية في تزايد الشك من نوايا طهران في إنتاج السلاح النووي، يأتي من الربط الذي يجري بين هذا البرنامج وبين النهج السياسي ـ الفكري الذي يتم إتباعه في إيران، ولاسيما من حيث تصدير نظرية ولاية الفقيه تحت مسميات وعناوين مختلفة وخلق وإيجاد نماذج سياسية تدين بالولاء لإيران بسبب إيمانها بهذه النظرية وإتباعها لها.

اليوم، وبعد كل التي واللتين بشأن البرنامج النووي الايراني، فقد قال المتحدث باسم هيئة رئاسة مجلس الشورى الاسلامي، عباس كودرزي انه دعا أعضاء المجلس خلال مناقشة عملية المفاوضات مع اميركا في جلسة مغلقة، الحكومة إلى التحرك في إطار قانون العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات.

الجلسة المغلقة التي تم عقدها الثلاثاء المنصرم 28 أبريل 2025، صرح كودرزي بشأنها قائلا: "عقدت الجلسة المغلقة بحضور النواب ورئيس المجلس.. قدمت لجنة الأمن القومي تقريرا حول القضايا المتعلقة بالمفاوضات، سلطت فيه الضوء على الركائز الأساسية التي أكدت عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المفاوضات. بما في ذلك احترام الخطوط الحمراء، والتي نؤكد عليها في المفاوضات". وتابع: "التزام إيران بالمفاوضات سيستمر ما دام الطرف الآخر ملتزما. نؤكد على استمرار التخصيب في إيران للاستخدام السلمي. قد يختلف تعريفنا عن تعريفهم، والتخصيب لا يعني استيراد مواد التخصيب، بل إنتاجها محليا". واستطرد "إن ضمان رفع العقوبات وإزالة العوائق أمام الموارد النقدية والعلاقات المصرفية هو محور اهتمام الجمهورية الإسلامية.. إن القضايا الإقليمية والقدرات الدفاعية والتخصيب الصفري ليست على جدول أعمال المفاوضات على الإطلاق، والموضوع الوحيد للنقاش هو القضية النووية، وهي من بين خطوطنا الحمراء".

من دون شك فإن كل ما إعتبره كودرزي والنظام الايراني من وراءه، كخطوط حمر، هي في الحقيقة خطوط الشك والريبة لدى بلدان المنطقة والعالم ولاسيما وإننا لو دققنا في الآلية التي تريدها طهران من أجل مراقبة نشاطاتها فإنها ترفض الطرف المعني أساسا بالمسألة وتسعى لفرض طرف آخر غير مباشر، ولأن لطهران ماض طويل في البحث عن الثغرات ونقاط الضعف الى جانب أمور أخرى، فإن هذه النقطة بالذات يثير الشك أكثر من غيره ناهيك عن إن إصرار طهران على التمسك بمستوى التخصيب وإعتبار ذلك خطا أحمرا، هو بحد ذاته لا يبعث على الراحة والاطمئنان لكن الاهم من كل الذي سردناه هو؛ هل إن لإيران القدرة والامكانية الكافية لفرض خياراتها بشأن ما تعتبره خطوطا حمر؟ هذا الامر في حد ذاته كاف للدلالة إن طهران تسعى للمراوغة وهدر الوقت الذي قد لا يكون من السهل عليها هذه المرة الإيقاع بأميركا ترامب في حبائلها!