تفعيل العلاقات اللبنانية الإماراتية
شكلت القمة اللبنانية الإماراتية منعطفا جديدا في تعزيز العلاقات البينية، وهي في الواقع علاقات ممتدة لأكثر من نصف قرن، اذ بدأت منذ قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر/كانون الأول العام 1971، وتتابعت في مختلف العهود بمستويات رفيعة تنم عن قواسم مشتركة كثيرة، علاوة على رغبة قيادتي البلدين والشعبين على تحفيز العوامل الإيجابية التي تنامت باطراد ودون انقطاع عملي، رغم مرور بعض الظروف العربية الحساسة، التي اثرت على مجمل العلاقات العربية العربية.
لقد انهى الرئيس اللبناني جوزيف عون زيارته للامارات العربية المتحدة ولقائه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الامارات، بسلسلة من المواقف والقرارات التي اتسمت برغبة البلدين على تنمية اطر التعاون، التي لم تنقطع في الأساس، حيث بدت الامارات الدولة العربية الفاعلة في مجلس التعاون الخليجي الداعم الرئيس والراعية الأبرز للأوضاع اللبنانية، ومساعدته في كافة المجالات الاقتصادية والإنمائية، وغيرها الكثير من الجوانب، المتصلة بالنزاعات والحروب التي انتشرت فيه. ففي قراءة سريعة وهادفة، قدمت الامارات بعد وقت قصير من إعلانها الاتحاد تمويلا لمشروع نهر الليطاني بمبلغ 300 مليون دولار في العام 1973، وهو رقم معتبر آنذاك وشكل الركيزة الأساسية لأضخم مشروع مائي في المنطقة، والذي شكل بيئة متكاملة للانماء الاجتماعي في لبنان ان لجهة الزراعة وانماء مناطق شاسعة من شماله الى جنوبه وتوفير آلاف فرص العمل، حيث اعتبر هذا المشروع وتمويله من ابرز المشاريع التي حصل عليها لبنان من اشقائه العرب. وفي الواقع لا تمر مناسبة في لبنان الا ويكون للامارات بصمات واضحة وخيرة، وبخاصة عند ظهور الازمات، وحيث تستنكف الكثير من الدول يظهر الدور الاماراتي في المساعدات العاجلة بدءا من الأغذية والجوانب الصحية التي غالبا ما كان يحتاجها لبنان.
كما يسجل للامارات دور بارز وفاعل في العديد من المحطات القاسية التي مر بها لبنان، فعلى سبيل المثال لا الحصر قادت الامارات العربية المتحدة مشروعا رياديا لجهة الالتزام بنزع الألغام ومخلفات الاعمال العسكرية التي نجمت عن الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، حيث ترأست اعمالا تمت بموجبها نزع مئات آلاف الالغام والمعدات العسكرية غير المنفجرة وسط ظروف قاسية لجهة طبيعة الأرض ونوعية المخلفات وطرق نزعها واتلافها. كما لم تتوان الامارات عن دعم لبنان ابان انفجار مرفأ بيروت في 4 اغسطس/آب 2020 لجهة اعمال الإنقاذ وإعادة الترميم والبناء لعشرات آلاف الوحدات السكنية، وهي عملية ممتدة لدور مماثل في إعادة الاعمار بعد حرب العام 2006.
في المقابل، تستضيف الامارات العربية المتحدة جالية لبنانية كبيرة تفوق المئة والخمسين الفا، حيث تسهم بشكل فاعل في العديد من الجوانب الإماراتية الإنمائية عبر كوادر رفيعة المستوى، حيث شكلت هذه الجالية رافعة ودعامة رئيسة في النمو الذي شهدته الامارات منذ انطلاقاتها في بداية سبعينيات القرن الماضي، وارخت هذه الجالية علاقات مجتمعية مشرقة ناجمة عن تجانس في الرؤى الاجتماعية والحياتية، وما اسهم في انماء هذه الميزة وتسارع مراكمة مزاياها الزيارات السياحية للاماراتيين الى لبنان وتفاعلهم الاجتماعي مع المجتمع اللبناني، حيث المصاهرات العائلية وشراء العقارات ونمو الاستثمارات الإماراتية في مختلف القطاعات اللبنانية.
وبالعودة لنتائج القمة الاماراتية اللبنانية، يظهر ان ثمة إصرار من البلدين الشقيقين على إعادة انماء العلاقات البينية وتخطي بعض المظاهر السلبية العابرة التي طرأت في العام 2021 نتيجة الاحداث السورية وانعكاساتها، والتي أدت الى اغلاق السفارة الإماراتية في بيروت والاعلان عن مغادرة الاماراتيين للأراضي اللبنانية حفاظا على سلامتهم نتيجة الأوضاع الأمنية. وفي هذا الاطار اعلن في البيان المشترك بعد انتهاء القمة بين البلدين عن النية لرفع التمثيل الدبلوماسي وهي خطوة طبيعية بعد إعادة فتح السفارة الإماراتية في بيروت في يناير / كانون الثاني 2024، إضافة الى السماح للاماراتيين بالعودة لزيارة لبنان والإقامة فيه.
إضافة الى ذلك، تم الإعلان عن مسارات وآليات تنفيذية لتطوير المساهمات والمساعدات للبنان، ومنها الإعلان عن ارسال فرق متخصصة لمساعدة لبنان على نقل التجارب الإماراتية لجهة تطوير العمل الحكومي والمؤسساتي ونقل تجارب رائدة، اثبتت فعاليتها في المجتمع الاماراتي. ولمزيد من إرساء تلك التجارب وتفعيل سبل انماء العلاقات البينية في العديد من المجالات اعلن عن انشاء مجلس اماراتي لبناني ذات صفة استمرارية لمتابعة تنفيذ المشاريع والمساعدات التي سترصد لاحقا.
وخلاصة القول، لقد أسس لقاء القمة بين الرئيس الاماراتي الشيخ محمد بن راشد آل نهيان والرئيس اللبناني العماد جوزيف عون، الى مستقبل واعد من العلاقات البينية التي تبدو ضرورية ولازمة في ظروف عربية وإقليمية ودولية تستدعي إعادة ترتيب وترميم مجمل العلاقات العربية العربية وبخاصة ما يتعلق منها بعلاقات لبنان الخليجية، بعدما شاب بعضها مظاهر غريبة عن طبيعة العلاقات التي سادت بين البلدان العربية ولبنان وبخاصة الخليجية. وفي الواقع أيضا، يعلق لبنان آملا كبيرة على تطوير ودعم الامارات في ظروف هي الأصعب التي يمر فيها لبنان دولة ومؤسسات ومجتمع، حيث تعتبر هذه الزيارة والقمة هي سلسلة في سياسات ينتهجها لبنان، حيث سجل في هذا المجال أيضا زيارة الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون الى المملكة العربية السعودية ولقاءاته مع المسؤولين السعوديين وفي طليعتهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي شكلت تحولا واضحا في سياسة لبنان الخارجية وبخاصة مع الدول الخليجية.