أميركا تسمح بتمويل قطري لسوريا في توجه لتخفيف العقوبات

قطر ستقدم لدمشق منحة تبلغ 29 مليون دولار شهريا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وذلك لدفع رواتب العاملين المدنيين في القطاع العام.
تحول تدريجي في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري الجديد رغم بعض التحفظات

واشنطن - أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لمبادرة قطرية لتمويل القطاع العام السوري وفق ثلاثة مصادر، مما يتيح شريان حياة ماليا للحكومة السورية الجديدة في مسعاها لإعادة بناء دولة مزقها الصراع.
كما أن الخطوة يُنظر إليها على أنها قد تشكل تمهيدًا أو مؤشرًا أوليًا نحو تخفيف محتمل في نظام العقوبات المفروض على دمشق. ورغم أن واشنطن أكدت أن هذا الدعم مقيّد بشروط إنسانية وضوابط صارمة، إلا أن السماح بتمويل مؤسسات حكومية سورية يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل تحولًا تدريجيًا في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري الجديد، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية لإعادة دمج سوريا في محيطها العربي.
وكانت قطر، وهي من أقوى الداعمين الدوليين للرئيس السوري أحمد الشرع، مترددة في اتخاذ أي إجراء دون موافقة واشنطن، التي فرضت عقوبات على سوريا عندما كان الرئيس المخلوع بشار الأسد في السلطة.
وأكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية في بيان أمس الأربعاء أن قطر ستقدم لدمشق منحة تبلغ 29 مليون دولار شهريا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وذلك لدفع رواتب العاملين المدنيين في القطاع العام.
وأضاف أن المنحة حصلت على استثناء من العقوبات الأمريكية، موضحا أنها ستدار من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وأدت العقوبات وصراع على مدى 14 عاما وحكم المحسوبية لعقود في عهد الأسد إلى إفلاس الدولة وتضاؤل أجور الموظفين.
وأفاد شخصان مُطلعان بأن قطر حصلت على الضوء الأخضر الأميركي، وقالا إن من المتوقع أن يقدم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية قريبا خطابا يؤكد إعفاء المبادرة من العقوبات.
وتُشير هذه الخطوة إلى تخفيف واشنطن لموقفها في وقت تحركت فيه الدول الأوروبية بوتيرة أسرع لتخفيف عقوباتها.
وقال مصدر مالي سوري إن التمويل مشروط وتقتصر الاستفادة منه على الموظفين المدنيين في القطاع العام مع استبعاد وزارتي الداخلية والدفاع موضحا أن ذلك يعكس المخاوف الغربية من التاريخ المتشدد لحكام سوريا الحاليين الذين يعيدون تشكيل القوات الأمنية.
وبين أنه من المتوقع أن يبدأ التمويل في التدفق بدءا من الشهر المقبل، مما يسمح بزيادة طال انتظارها بنسبة 400 بالمئة لتوزيعها تدريجيا على أكثر من مليون موظف حكومي على مدى بضعة أشهر. وتحدثت جميع المصادر شريطة عدم الكشف عن هوياتها لأنها غير مخولة بالحديث في هذا الشأن.
وقال المصدر السوري إن الحكومة السورية ستقدم الأموال اللازمة لمعادلة زيادة الرواتب للموظفين غير المشمولين بالمبادرة المدعومة من قطر.
واعتزمت قطر تقديم دعم للرواتب بعد فترة وجيزة من إطاحة هيئة تحرير الشام ببشار الأسد العام الماضي. وتعطلت المبادرة بسبب الغموض بشأن العقوبات الأميركية وسياسة إدارة ترامب تجاه سوريا.
لكن هناك دلائل على أن دول الخليج تمكنت من إحراز تقدم متواضع في الضغط على الولايات المتحدة للسماح على الأقل بالتعامل مع دمشق، إذ سددت السعودية وقطر الشهر الماضي ديون سوريا للبنك الدولي مما فتح الباب أمام المنح والقروض.

واشنطن تراقب ما يحدث على الساحة السورية لتحديد خياراتها
واشنطن تراقب ما يحدث على الساحة السورية لتحديد خياراتها

وشاركت السعودية في استضافة اجتماع رفيع المستوى ركز على سوريا في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن الشهر الماضي، وحضره وزير المالية السوري وحاكم المصرف المركزي للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
وأصدرت الإدارة الأميركية السابقة إعفاء من العقوبات في السادس من يناير/كانون الثاني للسماح بالتعامل مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر، لكن دولا وكيانات تريد التعامل مع سوريا سعت للحصول على ضمانات إضافية.
وكان الإعفاء، المعروف باسم الترخيص العام، محاولة لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية والسماح بالعمل مع قطاع الطاقة السوري، مع الإبقاء على العقوبات بشكل عام.
ودأب الشرع على المطالبة برفع العقوبات الغربية التي فُرضت لعزل الأسد بسبب ما مارسه من قمع أثناء الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011.
ويعد تعزيز الاقتصاد، الذي انفتح الآن في تجربة السوق الحرة بعد فرض سياسات الحماية لعقود، أولوية قصوى بالنسبة للشرع. وتقول الأمم المتحدة إن تسعة من كل 10 سوريين يعيشون في فقر.
وقال وزير المالية في الحكومة المؤقتة في يناير/كانون الثاني إن أجور العاملين في القطاع العام سترتفع 400 بالمئة اعتبارا من فبراير شباط بتكلفة شهرية تقدر بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (130 مليون دولار).
وكان قد أشار إلى المساعدات الإقليمية كأحد مصادر تمويل هذه الزيادة.
وتتسم السياسة الغربية مع سوريا بالتعقيد بسبب الجذور المتشددة لهيئة تحرير الشام، التي قادت حملة الإطاحة بالأسد وتدرجها قوى عالمية في قوائم الجماعات الإرهابية.
وانبثقت هيئة تحرير الشام من جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا إلى أن أعلن الشرع الانفصال عنه في عام 2016. وحُلت هيئة تحرير الشام رسميا في يناير/كانون الثاني.